يقول تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق).
عليك أن تصبر على عناد القوم ولجاجة الأعداء.
عليك أن تصبر حيال جهل بعض الأصدقاء والمعارف، وتتحمل أحياناً أذاهم وتخاذلهم.
وعليك أيضاً أن تصبر إزاء العواطف النفسية.
إنّ سر انتصارك في جميع الأُمور يقوم على أساس الصبر والإستقامة.
ثم اعلم أنّ وعد الله بنصرك وأمتك لا يمكن التخلف عنه، وإيمانك - وإيمانهم - بحقانية الوعد الإلهي يجعلك مطمئناً ومستقيماً في عملك، فتهون الصعاب عليك وعلى المؤمنين.
لقد أمر الله تعالى رسوله مرّات عديدة بالصبر، والأمر بالصبر جاء مطلقاً في بعض الموارد، كما في الآية التي بصددها، وجاء مقيداً في موارد اُخرى ويختص بأمر معين، كما في الآيتين (39ـ40) من سورة "ق": (فاصبر على ما يقولون). وكذلك يخاطبه تعالى في الآية (28) من سورة الكهف بقوله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيواة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً).
إنّ جميع انتصارات الرّسول(ص) والمسلمين الأوائل إنّما تمّت بفضل الصبر والإستقامة واليوم لابدّ أن نسير على خطى رسول الله ونصبر كما صبر الرّسول وأصحابه إذ لولاه لما حالفنا النصر مقابل أعدائنا الألداء.
الفقرة الأُخرى من التعليمات الربانية تقول: (واستغفر لذنبك).
واضح أنّ رسول الله(ص) معصوم لم يرتكب ذنباً ولا معصية، لكنّا قد أشرنا في غير هذا المكان إلى أنّ أمثال هذه التعابير في القرآن الكريم، والتي تشمل في خطابها الرّسول الاكرم وسائر الأنبياء، إنّماتشمل ما نستطيع تسميته بـ "الذنوب النسبية" لأنّ من الأعمال ما هو عبادة وحسنة بالنسبة للناس العاديين، بينما هي ذنب للرسل و الأنبياء لأنّ: (حسنات الأبرار سيئات المقربين).
فالغفلة - مثلا - لا تليق بمقامهم، ولو للحظة واحدة. وكذلك الحال بالنسبة لترك الأولى، إذ أن منزلتهم الرفيعة ومعرفتهم العالية تتوجب أن يحذروا هذه الأُمور ويستغفروا منها متى ما صدرت عنهم.
وما ذهب إليه البعض من أنّ المقصود بالذنوب هي ذنوب المجتمع، أو ذنوب الآخرين التي ارتكبوها بشأن رسول الله(ص) أو أنّ الإستغفار تعبدي فهو بعيد.
الفقرة الأخيرة في الآية الكريمة تقول: (وسبّح بحمد ربك بالعشي والإبكار).
"العشي" فترة ما بعد الظهر إلى قبل غروب الشمس، أما "الإبكار" فهو ما بين الطلوعين.
ويمكن أن تطلق لفظتا (العشي والإبكار) على الوقت المعيّن بالعصر والصباح، حيث يكون الإنسان مُهيأً للحمد وتسبيح خالقه تبارك وتعالى بسبب عدم شروعه بعد بعمله اليومي، أو أنّه قد انتهى منه.
وقد اعتبر البعض أنّ هذا الحمد والتسبيح إشارة إلى صلاة الصبح والعصر، أو الصلوات اليومية الخمس، في حين أنّ ظاهر الآية ينطوي على مفهوم أوسع من ذلك الصلوات هي إحدى مصاديقها.
في كلّ الأحوال تعتبر التعليمات الثلاث الآنفة الذكر شاملة بناء الإنسان وإعداده للرقي في ظل اللطف والرعاية الإلهية، وهي إلى ذلك زاده في سيره للوصول نحو الأهداف الكبيرة.
فهناك أولا - وقبل كلّ شيء - التحمّل والصبر على الشدائد والصعوبات، ثّم تطهير النفس من آثار الذنوب. وأخيراً تكليل كلّ ذلك بذكر الله، حيث تسبيحه وحمده يعني تنزيهه من كلّ عيب ونقص، وحمده فوق كلّ حسن وكمال.
إنّ الحمد والتسبيح الذي يكون لله تعالى يؤثر في قلب الإنسان ويطهره من جميع العيوب، ومن سيئات الغفلة واللهو، ويجعله يتصف باليقظة والكمال.
﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذى قومك ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بالنصر ﴿حَقٌّ﴾ كائن فاعتبر بقصة موسى ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ وإن لم تكن مذنبا انقطاعا إلى الله وليستن بك ﴿وَسَبِّحْ﴾ متلبسا ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ أي على الدوام أو صل العصر والصبح أو الصلاة الخمس.