لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير القوامة في النّظام العائلي: قال الله تعالى في مطلع هذه الآية (الرّجال قوّامون على النّساء) ولابدّ لتوضيح هذه العبارة من الإِلتفات إِلى أنّ العائلة وحدة إجتماعية صغيرة، وهي كالإِجتماع الكبير لابدّ لها من قائد وقائم بأمورها، لأن القيادة والقوامة الجماعية التي يشترك فيها الرجل والمرأة معاً، لا معنى لها ولا مفهوم، فلابدّ أن يستقل الرجل أو المرأة بالقوامة، ويكون "رئيساً" للعائلة، بينما يكون الآخر بمثابة "المعاون" له الذي يعمل تحت إِشراف الرئيس. إِنّ القرآن يصرّح - هنا - بأنّ مقام القوامة والقيادة للعائلة لابدّ أن يعطي للرجل (ويجب أن لا يساء فهم هذا الكلام، فليس المقصود من هذا التعبير هو الإِستبداد والإِجحاف والعدوان، بل المقصود هو أن تكون القيادة واحدة ومنظمة تتحمل مسؤولياتها مع أخذ مبدأ الشورى والتشاور بنظر الإِعتبار). إنّ هذه المسألة تبدو واضحة في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، وهي أن أية هيئة حتى المؤلفة من شخصين مكلفة بالقيام بأمر لابدّ أن يتولى أحدهما زعامة تلك الهيئة فيكون رئيسها، بينما يقوم الآخر بمساعدته فيكون بمثابة (المعاون أو العضو)، وإلاّ سادت الفوضى أعمال تلك الهيئة واختلت نشاطاتها وأخفقت في تحقيق أهدافها المنشودة، وهكذا الحال بالنسبة إِلى العائلة، فلابدّ من إسناد إدارة العائلة إِلى الرجل. وإِنّما تعطى هذه المكانة للرجل لكونه يتمتع بخصوصيات معينة مثل القدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر، (على العكس من المرأة التي تتمتع بطاقة فياضة وطاغية من الأحاسيس والعواطف) ومثل امتلاك بنية داخلية وقوة بدنية أكبر ليستطيع بالأُولى أن يفكر ويخطط جيداً، ويستطيع بالثانية أن يدافع عن العائلة ويذّب عنها. هذا مضافاً إِلى أنّه يستحق - لقاء ما يتحمله من الإِنفاق على الأولاد والزوجة، ولقاء ما تعهده من القيام بكل التكاليف اللازمة من مهر ونفقة وإِدارة مادية لائقة للعائلة - أن تناط إِليه وظيفة القوامة والرئاسة في النظام العائلي. نعم يمكن أن يكون هناك بعض النسوة ممن يتفوقن على أزواجهنّ في بعض الجهات، إِلاّ أن القوانين - كما أسلفنا مراراً - تسن بملاحظة النوع ومراعاة الأغلبية لا بملاحظة الأفراد، فرداً فرداً، ولا شك أنّ الحالة الغالبة في الرجال أنّهم يتفوقون على النساء في القابلية على القيام بهذه المهمّة، وإِن كانت النسوة يمكنهنّ أن يتعهدن القيام بوظائف أُخرى لا يشك في أهميتها. إنّ جملة (بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) إِشارة أيضاً إِلى هذه الحقيقة، لأنّ القسم الأوّل من هذه الفقرة يقول: إن هذه القوامة إنّما هولأجل التفاوت الذي أوجده الله بين أفراد البشر من ناحية الخلق لمصلحة تقتضيها حياة النوع البشري، بينما يقول في القسم الثاني منها: وأيضاً لأجل أن الرجال كلفوا بالقيام بتعهدات مالية تجاه الزوجات والأولاد في مجال الإِنفاق والبذل. ولكن غير خفي أن إِناطة مثل هذه الوظيفة والمكانة إِلى الرجل لا تدل على أفضلية شخصية الرّجل من الناحية البشرية، ولا يبرر تميزه في العالم الآخر (أي يوم القيامة) لأنّ التميز والأفضيلة في عالم الآخرة يدور مدار التقوى فقط، كما أنّ شخصية المعاونة الإِنسانية قد تترجح في بعض الجهات المختلفة على شخصية الرئيس، ولكن الرئيس يتفوق على معاونه في الإِرادة التي أنيطت إليه، فيكون أليق من المعاون في هذا المجال. يثمّ إنّه سبحانه يضيف قائ: (فالصّالحات قانتات حافظات للغيب)، وهذا يعني أن النساء بالنسبة إِلى الوظائف المناطة إِليهنّ في مجال العائلة على صنفين: الطّائفة الأُولى: وهنّ "الصالحات" أي غير المنحرفات "القانتات" أي الخاضعات تجاه الوظائف العائلية "الحافظات للغيب" اللاتي يحفظن حقوق الأزواج وشؤونهم لا في حضورهم فحسب، بل يحفظنهم في غيبتهم، يعني أنهنّ لا يرتكبن أية خيانة سواء في مجال المال، أو في المجال الجنسي، أو في مجال حفظ مكانة الزوج وشأنه الإِجتماعي، وأسرار العائلة في غيبته، ويقمن بمسؤولياتهنّ تجاه الحقوق التي فرضها الله عليهنّ والتي عبّر عنها في الآية بقوله: (بما حفظ الله) خير قيام. ومن الطبيعي أن يكون الرجال مكلفين باحترام أمثال هذه النسوة، وحفظ حقوقهنّ، وعدم إِضاعتها. الطّائفة الثّانية: هنّ النسوة اللاتي يتخلفن عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ، وتبدو عليهنّ علائم النشوز واماراته فإِن على الرجال تجاه هذه الطائفة من النساء واجبات لابدّ من القيام بها مرحلة فمرحلة، وعلى كل حال يجب أن يراعوا جانب العدل ولا يخرجوا عن حدوده وإِطار، وهذه الوظائف هي بالترتيب: 1 – المواعظة: إِنّ المرحلة الأُولى التي على الرجال أن يسلكوها تجاه النساء اللاتي تبدو عليهنّ علائم التمرد والنشوز والعداوة، تتمثل في وعظهن كما قال سبحانه في الآية الحاضرة: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن)(1). وعلى هذا فإِن النساء اللاتي يتجاوزن حدود النظام العائلي وحريمه لابدّ قبل أي شيء أن يذكرن - من خلال الوعظ والإِرشاد - بمسؤولياتهنّ وواجباتهنّ ونتائج العصيان والنشوز. 2 - الهجر في المضاجع: وتأتي هذه المرحلة إِذا لم ينفع الوعظ ولم تنجع النصيحة (واهجروهنّ في المضاجع)، وبهذا الموقف والهجر وعدم المبالاة بالزوجة أظهروا عدم الرضا من الزوجة، لعل هذا الموقف الخفيف يؤثر في أنفسهنّ. 3 - الضرب: وأمّا إِذا تجاوزن في عصيانهنّ، والتمرد على واجباتهنّ ومسؤولياتهنّ الحدّ، ومضين في طريق العناد واللجاج دون أن يرتدعن بالأساليب السابقة، فلا النصيحة تفيد، ولا العظة تنفع، ولا الهجر ينجح، ولم يبق من سبيل إلاّ استخدام العنف، فحينئذ يأتي دور الضرب (فاضربوهنّ) لدفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ الزوجية لانحصار الوسيلة في هذه الحالة في استخدام شيء من العنف، ولهذا سمح الإِسلام في مثل هذه الصورة بالضغط عليهنّ ودفعهنّ إِلى القيام بواجباتهنّ من خلال التنبيه الجسدي. اشكال: يمكن أن يعترض معترض في هذا المقام قال: كيف سمح الإِسلام للرجال بأن يتوسلوا بأسلوب التنبيه الجسدي المتمثل بالضرب؟ الجواب: إِنّ الجواب على هذا الإِعتراض يبدو غير صعب بملاحظة معنى الآية والروايات الواردة لبيان مفادها وما جاء في توضيحها في الكتب الفقهية، وأيضاً بملاحظة ما يعطيه علماء النفس اليوم من توضيحات علمية في هذا المجال، ونلخص بعض هذه الأمور في نقاط: أوّلا: إِنّ الآية تسمح بممارسة التنبيه الجسدي في حق من لا يحترم وظائفة وواجباته، الذي لا تنفع معه أية وسيلة أُخرى، ومن حسن الصدف أن هذا الأسلوب ليس بأمر جديد خاص بالإِسلام في حياة البشر، فجميع القوانين العالمية تتوسل بالأساليب العنيفة في حق من لا تنجح معه الوسائل والطرق السلمية لدفعه إِلى تحمل مسؤولياته والقيام بواجباته، فإِن هذه القوانين ربّما لا تقتصر على وسيلة الضرب، بل تتجاوز ذلك - في بعض الموارد الخاصّة - إِلى ممارسة عقوبات أشد تبلغ حدّ الإِعدام والقتل. ثانياً: إنّ التّنبيه الجسدي المسموح به هنايجب أن يكون خفيفاً، وأن يكون الضرب ضرباً غير مبرح، أي لا يبلغ الكسر والجرح، بل ولا الضرب البالغ حد السواد كما هو مقرر في الكتب الفقهية. ثالثاً: إِنّ علماء التحليل النفسي - اليوم - يرون أن بعض النساء يعانين من حالة نفسية هي "المازوخية" التي تقتضي أن ترتاح المرأة لضربها وأن هذه الحالة قد تشتد في المرأة إِلى درجة تحس باللّذة والسكون والرضا إِذا ضربت ضرباً طفيفاً. وعلى هذا يمكن أن تكون هذه الوسيلة ناظرة إِلى مثل هؤلاء الأفراد الذين يكون التنبيه الجسدي الخفيف بمثابة علاج نفسي لهم. ومن المسلم أنّ أحد هذه الأساليب لو أثر في المرأة الناشزة ودفعها إِلى الطاعة، وعادت المرأة إِلى القيام بوظائفها الزوجية لم يحق للرجل أن يتعلل على المرأة، ويعمد إِلى إِيذائها، ومضايقتها حتى تعود إِلى جادة الصواب واستقامت في سلوكها ولهذا عقب سبحانه على ذكر المراحل السابقة بقوله: (فإِن أطعنكم فلا يتبغوا عليهنّ سبيلا). ولو قيل: إِن مثل هذا الطغيان والعصيان والتمرد على الواجبات الزوجية والعائلية قد يقع من قبل الرجال أيضاً، فهل تشمل هذه المراحل الرجال أيضاً؟ أي أيمكن ممارسة هذه الأمور ضد الرجل كذلك، أم لا؟ نقول في الإِجابة على ذلك: نعم إِنّ الرجال العصاة يعاقبون حتى بالعقوبة الجسدية أيضاً - كما تعاقب النساء العاصيات الناشزات - غاية ما هنالك أن هذه العقوبات حيث لا تتيسر للنساء، فإن الحاكم الشرعي مكلف بأن يذكر الرجال المتخلفين بواجباتهم وظائفهم بالطرق المختلفة وحتى بالتعزير (الذي هو نوع من العقوبة الجسدية). وقصّة الرجل الذي أجحف في حق زوجته ورفض الخضوع للحق، فعمد الإِمام علي(عليه السلام) إِلى تهديده بالسيف وحمله على الخضوع، معروفة. ثمّ أنّ الله سبحانه ذكّر الرجال مرّة أُخرى في ختام الآية بأن لا يسيئوا استخدام مكانتهم كقيمين على العائلة فيجحفوا في حق أزواجهم، وأن يفكروا في قدرة الله التي هي فوق كل قدرة (إِنّ الله كان علياً كبيراً). ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ﴾ قيمون مسلطون ﴿عَلَى النِّسَاء﴾ في السياسة والتدبير ﴿بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ بسبب تفضيلهم عليهن كفضل الماء على الأرض ولو لا الرجال ما خلقت النساء ﴿وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ في مهورهن ونفقتهن ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ مطيعات لله أو للأزواج ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾ تحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ﴿بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾ بحفظه له إياهن ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ عصيانهن أو ترفعهن عن طاعتكم بظهور أماراته أو أريد بالخوف العلم ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ بالقول وخوفوهن الله ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ المراد فلا تدخلوهن تحت اللحف أو لا تجامعوهن أو ولوهن ظهوركم ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ ضربا غير مبرح ولا مدم والثلاثة مترتبة فيدرج فيها ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ إلى التوبيخ والإيذاء إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ فاحذروه.