لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير ادعوني أستجب لكم: لقد تضمنت الآيات السابقة ألوان الوعيد والتهديد لغير المؤمنين من المتكبرين والمغرورين، المجموعة التي بين أيدينا من الآيات الكريمة تفيض حبّاً إلهياً ولطفاً، وتنبجس بالرحمة الشاملة للتائبين. يقول تعالى أولا: (وقال ربّكم اُدعوني أستجب لكم). لقد فسّر الكثير من المفسّرين "الدعاء" بمعناه المعروف، وما يؤكّد ذلك هو جملة "استجب لكم" بالإضافة إلى ما تفيده الروايات العديدة الواردة بخصوص هذه الآية وثواب الدعاء، والتي سنشير إلى بعض منها فيما بعد. ولكن بعض المفسّرين تبع (ابن عباس) في رأيه بأن الدعاء هنا بمعنى التوحيد وعبادة الخالق جلّ وعلا، أي "اعبدوني واعترفوا بوحدانيتي" إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأظهر. ونستفيد من الآية أعلاه مجموعة ملاحظات هي: 1ـ أنّ الله يحب الدعاء ويريده ويأمر به. 2ـ لقد وعد الله بإجابة الدعاء، لكن هذا الوعد مشروط وليس مطلقاً. فالدعاء واجب الإجابة هو ما اجتمعت فيه الشروط اللازمة للدعاء والداعي وموضوع الدعاء. وفي هذا الإطار شرحنا ما يتعلق بهذا الموضوع في تفسير الآية (186) من سورة البقرة. 3ـ الدعاء في نفسه نوع من العبادة، لأنّ الآية أطلقت في نهايتها صفة العبادة على الدعاء. تتضمّن الآية في نهايتها تهديداً قوياً للذين يستنكفون عن الدعاء، حث يقول تعالى: (إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)(1). أهمية الدعاء وشروط الإستجابة ثمّة تأكيد كبير على أهمية الدعاء في الروايات المنقولة عن رسول الله(ص)والأئمّة المعصومين(عليهم السلام): 1ـ في حديث عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الدعاء هو العبادة"(2). 2ـ في حديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه سئل: ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعاً، كان أحدهما أكثر صلاة، والآخر دعاءً فأيهما أفضل؟ قال "كلّ حسن". لكن السائل عاد وسأل الإمام (ع): قد علمت، ولكن أيهما أفضل؟ أجاب الإمام(ع): "أكثرهما دعاء، أما تسمع قول الله تعالى: (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). ثمّ أضاف بعد ذلك: "هي العبادة الكبرى"(3). 3ـ في حديث عن الإمام الباقر(ع) أنّه أجاب عن أفضل العبادات بقوله: "ما من شيء أفضل عند الله من أن يسأل ويطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلى الله عزّوجلّ ممن يستكبر عن عبادته، ولايسأل ما عنده"(4). 4ـ في حديث آخر عن الإمام جعفر الصادق أنّه (ع) قال: "إنّ عند الله عزّوجلّ منزلة لا تنال إلاّ بمسألة، ولو أنّ عبداً سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئاًه فاسأل تعط، إنّه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه"(5). 5 - لقد ورد في بعض الرّوايات أنّ الدعاء أفضل حتى من تلاوة القرآن، كما أشار إلى ذلك الرّسول الأعظم(ص) وحفيداه من أئمة المسلمين الإمام الباقر و الصادق(عليهما السلام)، حيث قالوا: "الدعاء أفضل من قراءة القرآن"(6). وفي نطاق تحليل قصير نستطيع أن ندرك عمق مفاد هذه الأحاديث، فالدعاء يقود الإنسان من جانب إلى معرفة الله تبارك وتعالى، وهذه المعرفة هي أفضل رصيد للإنسان في وجوده. ومن جانب آخر يدفع الدعاء الإنسان إلى الإحساس العميق بالفقر والخضوع تجاه خالقه جلّ وعلا ويبعده عن التعالي والغرور اللذين يعدّ ان الأرضيه المناسبة للمجادلة في آيات الله والإنحراف عن جادة الصواب والوقوع في المهالك. من جانب ثالث يعمق الدعاء لدى الإنسان الشعور بأنّه جلّ وعلا منبع النعم ومصدره ويدفعه إلى العشق والارتباط العاطفي مع الله جلّ جلاله. ومن جانب رابع يشعر الإنسان بالحاجة الى الله تعالى وانه رهين نعمته، ولذلك فهو موظف بطاعته وتنفيذ أوامره، ويرهف إحساسه بالعبودية لله تعالى. وخامس بما أنّه يعلم أنّ للإجابة شروطها، ومن شروطها خلوص النية، وصفاء القلب، والتوبة من الذنوب، وقضاء حوائج المحتاجين، والسعي في مسائل الناس من الأقرباء والأصدقاء وغيرهم، فلذلك يهتم ببناء الذات واصلاح النفس وتربيتها. وسادس يركّز الدعاء في نفس الإنسان الداعي عوامل المنعة والإرادة والثقة، ويجعله أبعد الناس عن اليأس والقنوط أو التسليم للعجز (وقد تحدثنا عن الدعاء وفلسفته وشرائطه ذيل الآيات 77 من سورة الفرقان). ثمّة ملاحظة مهمّة هنا، هي أن الدعاء لا يلغي بذل الوسع والجهد من قبل الإنسان، وإنّما حسبما تفيد الروايات والأحاديث في هذا الشأن - على الإنسان أن يسعى ويبذل ويجهد، ويترك الباقي على الله تعالى. لذا لو جعل الإنسان الدعاء بديلا عن العمل والجهد فسوف لا يجاب إلى مطلبه حتماً. لذلك نقرأ في حديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) أنّه قال: "أربعةٌ لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللّهم اُرزقنى، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟. ورجلٌ كانت له امرأة فدعا عليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالإقتصاد؟ ألم آمرك بالإصلاح؟ ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟!(7). ومن الواضح أنّ الموارد التي يتحدّث عنها الحديث الشريف، إنّما مُنِعَ فيها الإنسان عن إجابة دعوته لعدم بذله قصارى جهده وسعيه، فعليه أن يتحمّل تبعة تقصيره وتفريطه. من هنا يتضح أنّ أحد عوامل عدم استجابة الدعاء يتمثل في التباطؤ وترك الجهد المناسب للعمل واللجوء إلى الدعاء وقد جرت سنة الله تعالى على عدم إجابة مثل هذه الدعوات. طبعاً، هناك عوامل وأسباب اُخرى لعدم استجابة بعض الأدعية. فمثلا عادة ما يحدث أن يخطيء الإنسان في تشخيص مصالحه ومفاسده، إذ يصر أحياناً على موضوع معين ويطلبه من الخالق جلّ وعلا في حين ليس من مصلحته ذلك. ولكنّه يفهم ذلك فيما بعد. وهذا الأمر يشبه إلى حد كبير الطفل أو المريض الذي يطلب بعض الأطعمة والأشربة ويشتهيها، فلا يجاب لطلبه ولا تلبّى رغباته، لأنّها قد تؤدي إلى مضاعفة الخطر على صحته أو حتى المجازفة بحياته. ففي مثل هذه الموارد لا يستجيب الله تعالى لدعاء العبد، بل يدخر له الثواب يوم القيامة، مضافاً الى أن لاجابة الدعاء شروطاً مذكورة في الآيات والرّوايات الشريفة وقد بحثنا هذا الموضوع مفصلا في المجلد الأوّل من هذا التّفسير(8). موانع استجابة الدعاء لقد ذكرت بعض الروايات ذنوباً متعدّدة إذا ارتكبها الإنسان تحول بينه وبين إجابة دعائه، مثل سوء النية، النفاق، تأخير الصلاة عن وقتها، اللسان البذيء الذي يخشاه الناس، الطعام الحرام، وترك الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى(9). وفي إطار هذه النقطة بالذات ثمّة حديث جامع عن الإمام الصادق(ع) ينقله "الشيخ الطبرسي" في "الإحتجاج" أنّه سئل: أليس يقول الله: (ادعوني أستجب لكم) وقد نرى المضطر يدعوه ولا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟ قال: "ويحك! ما يدعوه أحد إلاّ استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب، وأما المحق فإذا دعا استجاب له وصرف عنه البلايا من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثواباً جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خير له إن أعطاه، أمسك عنه"(10). نعود الآن إلى الآية الكريمة... فبما أن الدعاء وطلب الحوائج من الله تعالى يعتبر فرعاً لمعرفته، لذا تتحدث الآية التي تليها عن حقائق تؤدي إلى ارتقاء مستوى المعرفة لدى الإنسان، وتزيد شرطاً جديداً لإجابة الدعاء، متمثلا بالأمل في الإجابة، بل وانتظار تنجز الحاجة وتمامها. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ عاجلا وآجلا بما سألتم أو بما هو خير منه بحسب المصلحة إذا وقع الدعاء بشروطه ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ دعائي ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ صاغرين