إضافة إلى هذا العذاب الجسماني سيعاقبون بمجموعة من أنواع العذاب الروحي والنفسي كما تشير إليه الآية التالية، حيث يقول تعالى: (ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله)؟!
أي أين شركاؤكم من دون الله كي ينقذوكم من هذا العذاب الأليم وأمواج النّار المتلاطمة؟ ألم تقولوا: إنّكم تعبدونهم وتطيعونهم و تتخذونهم أرباباً ليشفعوا لكم، إذاً أين شفاعتهم الآن؟!
فيجيبون بخضوع يغشاهم وذل يعلوهم: (قالوا ضلوا عنّا)(3) أيّ اختفوا وهلكوا وأبيدوا بحيث لم يبق منهم أثر.
ولا ريب، فإنّ من كانوا يدعونه من دون الله هم في نار جهنم، وقد يكونون بجانبهم، إلاّ أنّهم لا ينفعون ولا يؤثرون وكأنّهم قد اختلفوا!
وعندما يرى هؤلاء أنّ اعترافهم بعبادة الأصنام أصبح عاراً عليهم وعلامةً تميزهم، فإنّهم يبدأون بالإنكار فيقولون: (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً).
لقد كانت الأصنام مجرّد أوهام، لكنّا كنّا نظن أنّها تمثل حقائق ثابتة، لكنّها أصبحت كالسراب الذي يتصوره العطشان ماء. أمّا اليوم فقد ثبت لنا أنّها لم تكن سوى أسماء من غير مسمى وألفاظ ليس لها معنى، وأنّ عبادتها لم تنفعنا بشيء سوى الضلال. لذلك فهؤلاء اليوم بمواجهة الواقع الذي لا سبيل إلى إنكاره.
هناك احتمال آخر في تفسير الآية، هو أنّهم سيكذبون لينقذوا أنفسهم من الفضيحة، كما نقرأ ذلك في الآيتين (23) و(24) من سورة الأنعام: (ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا والله ربّنا ما كنّا مشركين أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون).
وأخيراً يقول تعالى: (كذلك يضل الله الكافرين).
إنّ كفرهم وعنادهم سيكون حجاباً على قلوبهم وعقولهم، ولذلك سيتركون طريق الحق ويسلكون سبيل الباطل، فيحرمون يوم القيامة من الجنّة وينتهي مصيرهم إلى النّار. وهكذا يضل الله الكافرين.
﴿مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا﴾ غابوا ﴿عَنَّا﴾ أو ضاعوا أو لم نجد منهم نفعا ﴿بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا﴾ يعتد به أو أنكروا عبادتهم إياهم ﴿كَذَلِكَ﴾ الضلال ﴿يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ في الآخرة عما ينفعهم بسبب كفرهم.