التّفسير
لا ينفع الإيمان عند نزول العذاب:
هذه الآيات هي آخر مجموعة من سورة المؤمن، ونستطيع أن نعتبرها نوعاً من الإستنتاج للبحوث السابقة، فبعد بيان كلّ الآيات الإلهية في الآفاق والأُنفس، وكل تلك المواعظ اللطيفة التي تحدثت عن المعاد، ومحكمة البعث الكبيرة، هددت هذه الايات الكافرين المستكبرين والمنكرين المعاندين تهديداً شديداً، وواجهتهم بالمنطق والإستدلال، وأوضحت لهم عاقبة أعمالهم.
فأوّلا تقول: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم).
فإذا كان عندهم شك في صحة التأريخ المدون على الأوراق، فهل عندهم شك فيما يلمسونه من الآثار الموجودة على سطح الأرض، من القصور الخربة للملوك، والعظام النخرة تحت التراب، أو المدن التي أصابها البلاء والعذاب وبقيت آثارها شاهدة على ما جرى عليها؟!
فأُولئك: (كانوا أكثر منهم وأشد قوّة وآثاراً في الأرض). حيث يمكن معرفة عددهم وقوّتهم من آثارهم المتمثلة في قبورهم وقصورهم ومدنهم.
عبارة: (آثاراً في الأرض) - سبق تفسيرها في الآية (21) من نفس السورة - فلعلها إشارة إلى تقدمهم الزراعي، كما جاء في الآية (التاسعة) من سورة الروم، أو إشارة إلى البناء العظيم للأقوام السابقين في قلب الجبال والسهول(1).
ومع هذه القوّة والعظمة التي كانوا يتمتعون بها، فإنّهم لم يستطيعوا مواجهة العذاب الإلهي: (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)(2).
بل إنّ كلّ قواهم وقدراتهم أُبيدت خلال لحظات قصيرة، حيث خربت القصور وهلكت الجيوش التي كان يلوذ بها الظالمون ... وسقطوا كما تسقط أوراق الخريف، أو أغرقوا في خضم الأمواج العاتية.
فإذا كان هذا هو مصير أُولئك السابقين مع كلّ مالديهم، فبأي مصيرـ يا ترى - يفكّر مشركو مكّة وهم أقل من أُولئك؟!
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ﴾ عددا ﴿وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ من قصور ومصانع ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ نفي أو استفهام.