الآية تقوم بتعريف مجموعة تقف في الجانب المقابل لهؤلاء المشركين البخلاء، وتتعرض إلى جزائهم حيث يقول تعالى: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون).
"ممنون" مشتق من "منّ" وتعني هنا القطع أو النقص، لذا فإنّ غير ممنون تعني هنا غير مقطوع أو منقوص.
وقيل إنّ مصطلح "منون" - على وزن "زبون" - ويعني الموت مشتق من هذه المفردة، وكذلك المنّة باللسان، لأنّ الأوّل يعني القطع ونهاية العمر، بينما الثاني يعني قطع النعمة والشكر(2).
وذهب بعض المفسّرين إلى القول بأنّ المقصود بـ (غير ممنون) أنّه لا توجد أيّ منّة على المؤمنين فيما يصلهم من أجر وجزاء وعطاء. لكن المعنى الأوّل أنسب.
ملاحظة
الأهمية الإستثنائية للزكاة في الإسلام:
الآية أعلاه تعتبر تأكيداً مجدّداً وشديداً حول أهمية الزكاة كفريضة إسلامية، سواء كانت بمعنى الزكاة الواجبة أو بمفهومها الواسع، وينبغي أن يكون ذلك، لأنّ الزكاة تعتبر أحد الأسباب الرئيسية لتحقيق العدالة الإجتماعية، ومحاربة الفقر والمحرومية، وملء الفواصل الطبقية، بالإضافة إلى تقوية البنية المالية للحكومة الإسلامية، وتطهير النفس من حبّ الدنيا وحبّ المال، والخلاصة: إنّ الزكاة وسيلة مثلى للتقرب إلى الله تبارك وتعالى:
وقد ورد في الروايات الإسلامية أن ترك الزكاة يعتبر بمنزلة الكفر، وهو تعبير يشبه ماورد في الآية التي نحن بصددها.
وفي هذا المجال نستطيع أن نقف مع الأحاديث الآتية:
أوّلا: في حديث عن الإمام الصادق(ع) أنّ من وصايا رسول الله لأمير المؤمنين على بن أبي طالب قوله له: "يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأُمّة عشرة، وعدّ منهم مانع الزكاة... ثمّ قال: يا علي من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة، يا علي: تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا، وذلك قوله عزّوجلّ: (حتى إذا جاء أحد هم الموت قال رب ارجعون...)(3).
ثانياً: في حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: "إنّ الله عزّوجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها، وهي الزكاة، بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمين"(4).
ثالثاً: أخيراً نقرأ في حديث عن الإمام الصادق(ع) قوله: "من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً"(5).
وتقدم بحث مفصل عن أهمية الزكاة في الإسلام وفلسفتها و تأريخ وجوب الزكاة في الإسلام، وكل ما يتعلق بهامن أُمور، في تفسير الآية (60) من سورة التوبة.
1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- هناك احتمالات متعدّدة حول محل (سواء) و (للسائلين) من الأعراب وبما تختص.
الأوّل: أنّ (سواء) حال بـ (أقوات) و(للسائلين) متعلق بـ (سواء) وتكون النتيجة هي التّفسير الذي أوردناه أعلاه.
الثّاني: أنّ (سواء) صفة للأيام، يعني أنّ هذه المراحل الأربع تتساوى فيما بينها. وأما (للسائلين) فإما أن تتعلق بـ (قدر) أو بمحذوف ويكون التقدير (كائنة للسائلين) يعني أنّ الأيّام الأربع هذه تعتبر جواباً للسائلين. لكن التّفسير الأوّل أوضح.
4- يمكن مراجعة الآيات (54) من سورة الأعراف و(3) من سورة هود و(59) من سورة الفرقان و(4) من سورة السجدة و(38) سورة ق و(4) من سورة الحديد.
5- في ضوء هذا التفسير يكون للآية تقديرها بالصيغة الآتية... وقدّر فيها أقواتها في تتمة أربعة أيّام أو يكون التقدير كما جاء في تفسير "الكشاف": "كل ذلك في أربعة أيّام".
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ مقطوع أو لا أذى فيه.