التّفسير
أحذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود!
بعد البحث المهم الذي تضمّنته الآيات السابقة حول التوحيد ومعرفة الخالق جلّ وعلاه تنذر الآيات - التي بين أيدينا - المعارضين والمعاندين الذين تجاهلوا كلّ هذه الدلائل الواضحة والآيات البينات، وتحذرهم أن نتيجة الإعراض نزول العذاب بهم، يقول تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)(1).
عليكم أن تخافوا هذه الصاعقه المميتة المحرقة التي اذا نزلت بساحتكم تفنيكم وتحل بداركم الدمار.
لاحظنا في بداية هذه السورة المباركة أنّ بعض زعماء الشرك في مكّة مثل "الوليد بن المغيرة" وبرواية اُخرى "عتبة بن ربيعة" جاءوا إلى النّبي(ص)للتحقيق حول القرآن ودعوة الرّسول وطرحوا عليه بعض الأسئلة وفي سياق إجابة رسول اللّه(ص) لهم تلا عليهم الآيات الاُولى من هذه السورة، وعندما وصل النّبي في تلاوته إلى الآيات أعلاه وهدّدهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، ارتعشت أجسادهم و أصيبوا بالخوف بحيث أنّهم لم يكونوا قادرين على الإستمرار في الكلام، لذلك عادوا إلى قومهم وذكروا لهم تأثرهم العميق واضطرابهم ووجلهم من هذه الكلمات.
"الصاعقة" كما يقول الراغب في المفردات، تعني الصوت المهيب في السماء، ويشتمل على النّار أو الموت أو العذاب. (ولهذا السبب تطلق الصاعقة على الموت أحياناً، وعلى النّار في أحيان اُخرى).
والصاعقة - وفقاً للتحقيقات العلمية الراهنة - هي شرارة كهربائية عظيمة تحدث بين مجموعة من الغيوم التي تحمل الشحنات الكهربائية الموجبة، وبين الأرض التي تكون شحنتها "سالبة" وتصيب عادة قمم الجبال والأشجار وأي شيء مرتفع، وفي الصحاري المسطحة تصيب الإنسان والأنعام، كما أن حرارتها شديدة للغاية بحيث أنّها تحيل أي شيء تصيبه إلى رماد، وتحدث صوتاً مهيباً وهزّة أرضية قوية في المكان الذي تضربه.
الله تبارك وتعالى - كما تنص على ذلك آيات القرآن - عاقب بعض الأقوام الأشقياء من الأمم السابقة بالصاعقة.
والطريف هنا أنّ عالم اليوم برغم التقدم الهائل في العلوم، بقي عاجزاً عن اكتشاف وسيلة لمنع الصاعقة.
وسيبقى هذا السؤال: لماذا ذكرهنا قوم عاد وثمود من بين جميع الأقوام السابقة؟
السبب يعود إلى أنّ العرب كانوا على اطّلاع بخبر أُولئك الأقوام، وكانوا قد شاهدوا بأعينهم آثار مدنهم المدّمرة، إضافة إلى أنّهم كانوا يعرفون أخطار الصواعق، لأنّهم يعيشون في الصحراء والبادية.
﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ عن الإيمان بعد هذا البيان ﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾ نخوفهم عذابا يصعقهم أي يهلكهم ﴿مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ مثل عذابهم الذي أهلكهم.