يواصل الحديث القرآني سياقه بالقول: (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله).
إنّ استخدام تعبير (من بين أيديهم و من خلفهم) هو إشارة إلى ما ذكرناه أعلاه من أنّ الأنبياء قد استخدموا جميع الوسائل والأساليب لهدايتهم، وحاولوا طرق كلّ الأبواب حتى ينفذوا إلى قلوبهم المظلمة.
وقد يكون التعبير إشارة إلى الأنبياء الذين بعثوا خلال أزمنة مختلفة إلى هؤلاء الأقوام، وطرحوا عليهم نداء التوحيد.
لكن لنرى ماذا كان جوابهم حيال هذه الجهود العظيمة الواسعة لرسل الله تعالى؟
يقول تعالى: (قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة) لإبلاغ رسالته بدلا من إرسال الناس.
والآن وما دام الأمر كذلك: (فإنا بما أرسلتم به كافرون). وما جئتم به لا نعتبره من الله!
إنّ مفهوم هذا الكلام لا يعني إيمان هؤلاء بأنّ هؤلاء رسل الله حقّاً، و.أنّهم
لا يؤمنون بهم، وإنّما مفهوم الكلام رفض هؤلاء دعوة الرسل في أنّهم مبلغوا رسالات الله من الاساس، حيث حملوهم على الكذب والإدّعاء. (ذلك فإنّ جملة (بما أرسلتم به )هي للإستهزاء أو السخرية، أو أن يكون المقصود بها هو: طبقاً لإدعائكم بأنّكم رسل الله تبلغون عنه).
إنّها نفس الذريعة التي ينقلها القرآن مراراً على لسان منكري النبوات ورسالات الله ومكذبي الرسل، من الذين كانوا يتوقعون أن يكون الأنبياء دائماً ملائكة، وكأنما البشر لا يستحقون مثل هذا المقام.
مثال ذلك قولهم في الآية(السابعة) من سورة الفرقان: (وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً).
إنّ قائد البشر يجب أن يكون من صنف البشر، كي يعرف مشاكل الإنسان واحتياجاته ويحس آلامهم و يتفاعل مع قضاياهم، وكي يستطع أن يكون القدوة والأسوة، لذلك يصرح القرآن في الآية (التاسعة) من سورة "الأنعام" بقوله تعالى: (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلا).
﴿إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من كل جهاتهم بالإنذارات والحجج أو حذروهم ما مضى من هلاك الكفرة وما يأتي من عذاب الآخرة أو بالعكس ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا﴾ إرسال رسله ﴿لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً﴾ مرسلين ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ على زعمكم ﴿كَافِرُونَ﴾ إذ لستم ملائكة.