بعد المجمل الذي بينته الآيات أعلاه، تعود الآيات الآن - كما هو أسلوب القرآن الكريم - إلى تفصيل ما أوجز من خبر قوم عاد وثمود، فتقول: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشدّ منّا قوّة).
إنّ هؤلاء القوم كانوا يعيشون في أرض "الأحقاف" من (حضرموت) جنوب الجزيرة العربية، وكانوا يتصفون بوضع استثنائي فريد من حيث القوّة الجسمانية والمالية والتمدّن المادي، فكانوا يبنون القصور الجميلة والقلاع المحكمة، خاصة في الأماكن المرتفعة حيث يرمز ذلك إلى قدرتهم و يكون وسيلة لإستعلائهم.
لقد كانوا رجالا مقاتلين أشدّاء، فأصيبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهرية ومجدهم المادي، حتى ظنّوا أنّهم أفضل من الجميع، وأنّ قوّتهم لا تقهر، ولذلك قاموا بتكذيب الرسل والإنكار عليهم، وتكالبوا على نبيّهم "هود".
لكن القرآن يرد على هؤلاء ودعواهم بالقول: (أو لم يروا أنّ الله الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة).
أليس الذي خلقهم خلق السماوات والأرض؟
بل هل يمكن المقايسة بين هاتين القدرتين، فأين القدرة المحدودة الفانية من القدرة المطلقة اللامتناهية الأزلية؟!
ما للتراب وربّ الأرباب(2)؟!
تضيف الآية في النهاية قوله تعالى: (وكانوا بآياتنا يجحدون).
نعم، إنّ الإنسان الضعيف المحدود سوف يطغى بمجرّد أن يشعر بقليل من القدرة والقوة، وأحياناً بدافع من جهله، فيتوهم أنّه يصارع الله جلّ وعلا!!
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ على الخلق ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا﴾ لما خوفوا بالعذاب ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ اغترارا بقوتهم كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل بيده ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ يعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ وخلق قوتهم ﴿هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ قدرة ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ عنادا.