القرآن يجيبنا على ذلك بقول الله عزّوجلّ: (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
لقد أنجى هذه المجموعة إيمانها وتقواها، بينما شمل العذاب تلك الكثرة الطاغية بسبب كفرها وعنادها، والمجموعتان يمكن أن تكونا نموذجاً لفئات من هذه الأُمة.
قال بعض المفسّرين: لقد آمن بنبيّ الله صالح (110) أشخاص من بين مجموع القوم، ولقد أنقذ الله هؤلاء وأنجاهم في الوقت المناسب.
ملاحظة
أنواع الهداية الإلهية:
الهداية على نوعين: أوّلا "الهداية التشريعة" وهي تشمل إبانة الطريق والكشف عنه بجميع العلائم. ثمّ هناك "الهداية التكوينية" التي هي في واقعها إيصال إلى المطلوب أو الوصول إلى الهدف.
لقد تجمعت الهدايتان معاً في الآيات التي نبحثها، فالآيات تتحدث أولا عن هداية ثمود و هذه هي الهداية التشريعية التي استبانوا من خلالها الطريق.
ثم أضافت الآية عن وصف حالهم بأنّهم استحبوا العمى على الهدى، وهذه هي عين الهداية التكوينية والتوصّل نحو الهدف.
وهكذا فإنّ الهداية بمعناها الأوّل قد تمّت من خلال بعثة الرسل والأنبياء، أمّا الهداية بمعناها الثّاني والتي ترتبط بإرادة واختيار أي إنسان، فلم تتمّ بسبب غرور القوم وتكبرهم وعلوهم، لأنّهم: (فاستحبوا العمى على الهدى).
إنّ هذا - بحدّ ذاته - دليل على مبدأ "حرية الإرادة الإنسانية" وعدم الجبر.
ولكن - برغم صراحة ووضوح الآيات - نرى أنّ بعض المفسّرين كالفخر الرازي يصرون على إنكار دلالة الآية، وذكروا كلاماً لا يليق بمنزلة الباحث المحقق، وذلك بسبب ميولهم نحو عقيدة الجبر(2)!!
1- "ما" في قوله تعالى: (إذا ما جاءوها) زائدة، وهي هنا للتأكيد.
2- هذا التّفسير وارد عندما يكون معنى الآية: (أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء ناطق) ولكن يحتمل أن يكون معنى أنطق كل شيء بالمعنى المطلق، بمعنى أنّ الله الذي أنطق جميع الموجودات وهو يكشف عن جميع الأسرار اليوم، هو الذي أنطقنا، فلا تتعجبوا من كلامنا فجميع كائنات العالم ستنطق في هذا اليوم.
﴿وَنَجَّيْنَا﴾ منها ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ صالحا ومن معه.