ومن الضروري الانتباه إلى أنّ قوله تعالى: (حتى إذا ما جاءوها) يبيّن أنّ شهادة أعضاء الإنسان تتمّ في محكمة النّار، فهل مفهوم ذلك أنّ الشهادة تتمّ في النّار، في حين أنّ النّار هي نهاية المطاف، أم أنّ المحكمة تنعقد بالقرب من النّار؟
الإحتمال الثّاني هو الأقرب كما يظهر.
ثمّ ما هو المقصود من (جلود) بصيغة الجمع؟
الظاهر أنّ المقصود بذلك هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم، جلد اليد والرجل والوجه وغير ذلك.
أمّا الروايات التي تفسّر ذلك بـ "الفروج" فهي في الحقيقة من باب بيان المصداق، وليس حصر مفهوم الجلود في ذلك.
ومن جانب آخر ربّ سائل يسأل: لماذا تشهد العين والأذن والجلود فقط، دون أعضاء الجسم الأُخرى؟ وهل الشهادة مقتصرة على هذه الأعضاء، أو أنّ هناك أعضاء اُخرى تشهد؟
ما نستفيده من الآيات القرآنية الأُخرى أنّ هناك أعضاء اُخرى في جسم الإنسان تشهد عليه، إذ نقرأ في الآية (65) من سورة "يس" قوله تعالى: (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
وفي الآية (24) من سورة "النور" قوله تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم).
وهكذا يتضح أنّ هناك أعضاء اُخرى تقوم بالإدلاء بالشهادة، إلاّ أنّ ما تذكره الآية التي بين أيدينا من أعضاء تعتبر في الدرجة الأولى، لأن معظم أعمال الإنسان تتم بمساعدة العين والأذن، وإنّ الجلود هي أول من يقوم بملامسة الأعمال.
﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا﴾ زيدت ما تأكيدا لمفاجاة الشهادة لمجيئهم ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بإنطاق الله كلا منها بما اقترف به.