لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثم يقول تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)(5)(6). هل أن هذا الحديث هو من قبل الله تعالى، وأن كلام الأعضاء والجوارح ينتهي إلى قوله تعالى: (أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء)، أم أنّ مايليه استمرار له ؟ المعنى الثّاني يبدو أكثر توافقاً، وعبارات الآية تتلاءم معه أكثر، بالرغم من أن أعضاء الجسم وجوارحه إنّما تتحدث هنا بأمر الله تعالى وبإرادته، والمعنى في الحالتين واحد تقريباً. بحثان الأوّل: حسن الظن وسوء الظن بالله تعالى توضح الآيات بشكل قاطع خطورة سوء الظن بالله تعالى، ومآل ذلك إلى الهلاك والخسران. وبعكس ذلك فإنّ حسن الظن بالله تعالى سبب للنجاة في الدنيا والآخرة. وفي حديث عن الإمام الصادق(ع) يقول: "ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنّه يشرف على النّار، ويرجوه رجاءً كأنّه من أهل الجنّة، إنّ الله تعالى يقول: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربّكم)...ثم قال: إنّ الله عند ظن عبده، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"(7). وروي عن الصادق(ع)عن رسول الله(ص): أنّ الله إذا حاسب الخلق يبقى رجل قد فضلت سيئاته على حسناته، فتأخذه الملائكة إلى النّار وهو يلتفت، فيأمر الله بردّه، فيقول له: لم إلتفت؟ - وهو تعالى أعلم به - فيقول: يا ربّ ما كان هذا ظنّي بك، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي! وعزّتي وجلالي والائي وعلوي وارتفاع مكاني، ما ظن بي عبدي هذا ساعة من خير قط، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما ودعته بالنّار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنّة". ثمّ أضاف رسول الله: ليس من عبد يظن بالله عزّوجلّ خيراً إلاّ كان عند ظنّه به وذلك قوله عزّوجلّ: (وذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)(8). الثّاني: الشهود في محكمة القيامة عندما تقول: إنّ جميع الناس سيحاكمون في العالم الآخر، فقد يتبادر إلى الذهن أنّ المحكمة هناك تشبه محاكم هذه الدنيا، إذ سيحضر كلّ فرد أمام القاضي وبيده ملفه، وثمّة شهود في القضية، ثمّ يبدأ السؤال والجواب قبل أن يصدر الحكم النهائي. وقد أشرنا مراراً إلى أنّ الألفاظ سيكون لها مفهوم أعمق في ذلك العالم بحيث يصعب أو يستحيل علينا تصوّر مداليلها، لأننا سجناء هذه الدنيا ومقاييسها. ولكن نستطيع - مع ذلك - أن نقترب من بعض حقائق العالم الآخرمن خلال ما نستفيده من الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن رسول الله (ص) وأئمّة المسلمين من أهل بيته(عليهم السلام)، وتتبيّن لنا آثار عن عظمة وعمق الحياة في ذلك العالم ومحكمة يوم البعث، ولو بشكل إجمالي. فمثلا عندما يقال:"ميزان الأعمال" قد ينصرف الذهن إلى المعنى الذي نتصوّر فيه أعمالنا في ذلك اليوم خفيفة أو ثقيلة، حيث توزن في ميزان ذي كفتين. ولكن عندما نقرأ في روايات المعصومين(عليهم السلام) أنّ أمير المؤمنين علي(ع) هو ميزان الأعمال، بمعنى أنّ قيمة الأعمال وشخصية الأفراد ستقاس بمقياس يكون مركزه شخصياً الإمام العظيم وبمقدار مشابهة الإنسان لسلوك هذا الإمام العظيم واقترابه منه سيكون له وزن أكثر، وبمقدار بعده عنه سيكون خفيفاً في ميزان أعماله وحسابه. ومن خلال هذا المعنى نفهم ماذا يعني ميزان الأعمال هناك. وفي مسألة "الشهود" فإنّ الآيات القرآنية تكشف لنا الستار - كذلك - عن حقائق اُخرى، إذ يتبيّن أنّ مفهوم الشهود هناك يختلف عن شهود محاكم هذه الدنيا. وفي قضية الشهود - بالذات - نستفيد من آيات القرآن الكريم أنّ هناك ستة أنواع من الشهود في تلك المحكمة: 1 - أنّ أول الشهود وأعلاهم شأناً هو الذات الإلهية الطاهرة: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلاّ كنّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه)(9). إنّ شهادة الله تكفي لكل شيء، إلاّ أنّ مقتضى اللطف الإلهي والعدالة الربوبية تستوجب أن يضع تعالى شهوداً آخرين. 2 - الأنبياء والأوصياء: يقول القرآن الكريم: (فكيف إذا جئنا من كلّ أُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً)(10). ونقرأ في حديث ورد في (الكافي) عن الإمام الصادق(ع) حول نزول هذه الآية وهو قوله (ع):"نزلت في أُمّة محمّد خاصة، في كلّ قرن منهم إمام منّا، شاهد عليهم ومحمّد شاهد علينا"(11). 3 - شهادة اللسان واليد والرجل والعين والأذن: كما في قوله تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون )(12). ومن الآية التي نحن بصددها نستفيد أنّ العين والأذن هما من قائمة الشهود أيضاً، ونستفيد كذلك من بعض الرّوايات أنّ كلّ أعضاء الجسم ستقوم بدورها بالشهادة على الأعمال التي قامت بها(13). 4 - شهادة الجلود: لقد تحدثت الآيات التي نحن بصددها عن هذا الموضوع بصراحة، بل وأضافت أنّ المذنبيين لم يكونوا يتوقعون أن تشهد عليهم جلودهم، فخاطبوها بالقول: (لم شهدتم علينا)؟ فيأتي الجواب من جلودهم: (أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء وهو خلقكم أول مرّة وإليه ترجعون)(14). 5 - الملائكة: يقول تعالى: (وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد)(15). ومفهوم الآية الكريمة أنّ كلّ إنسان يحشر إلى القيامة، يكون معه ملك يسوقه نحو الحساب وتشهد الملائكة عليه. 6 - الأرض: إنّ الأرض التي تحت أقدامنا، وتؤمن لنا مختلف البركات والنعم، تقوم أيضاً بمراقبتنا بدقّة، وتحدّث في ذلك اليوم ما كان منّا عليها، يقول تعالى: (يومئذ تحدّث أخبارها)(16). 7 - شهادة الزمان: بالرغم من عدم إشارة نصوص الآيات القرآنية إلى هذه الشهادة، ولكن نستفيد هذه الشهادة من أحاديث الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوله (ع): "ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم! أنا يوم جديد، وأناعليك شهيد، فقل فيّ خيراً واعمل في خيراً، أشهد لك يوم القيامة"(17). ما أعجب هذه الشهود التي تشهد علينا في تلك المحكمة! إنّه خليط عجيب من الملائكة وأعضاء الجسم والأنبياء والأوصياء، والأعظم من ذلك هي شهادة الله تبارك وتعالى علينا الذي يسمع ويرى ويحيط علمه بكل شيء، فيراقب أعمالنا ويشهد علينا... لكنّا لا نبالي!!؟ ألا يكفي الإيمان بوجود مثل هؤلاء الشهود أن يسير الإنسان في طريق الحق والعدالة والتقوى والنزاهة!؟ ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ أهلككم ﴿فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ﴾ باستبدالكم بالجنة النار