التّفسير
الضجيج في مقابل صوت القرآن!!
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن الأقوام الماضين كقوم عاد وثمود، وتحدثت عن جلساء السوء وقرناء الشر، تتحدث المجموعة التي بين أيدينا من الآيات البينات عن جانب من جوانب الإنحراف لمشركي عصر رسول الله(ص)لقد ورد في بعض الرّوايات أنّ رسول اللّه(عليهم السلام) ما أن يرفع صوته في مكّة ليتلو القرآن بصوته الجميل وأُسلوبه الخاشع، حتى كان المشركون يقومون بإبعاد الناس عنه ويقولون: أطلقوا الصفير وارفعوا أصواتكم بالشعر حتى لا تسمعوا كلامه(1)!
القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى في هذه الآيات، حيث يقول: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).
هذا الأسلوب في مواجهة تأثير الحق ونفوذه بالرغم من كونه أُسلوباً قديماً، إلاّ أنّه يستخدم اليوم بشكل أوسع وأخطر لصرف أفكار الناس وخنق أصوات المنادين بالحق والعدالة، فهؤلاء يقومون بملء المجتمع بالضوضاء حتى لا يسمع صوت الحق. ومع الالتفات الى أن معنى كلمة "والغوا" المشتقة من "لغو" لها معنى واسع يشمل أي كلام فارغ، ندرك جيداً سعة هذا المنهج المتبع.
فتارة يتمّ اللغو بواسطة الضجة والضوضاء والصفير.
واُخرى بواسطة القصص الكاذبة والخرافية.
وثالثة بواسطة قصص الحب والعشق المثيرة للشهوات!
وقد يتجاوز مكرهم مرحلة القول فيقومون بتأسيس مراكز خاصة بالفساد وأنواع الأفلام المبتذلة والمطبوعات المنحرفة الرخيصة،، والألاعيب السياسية الكاذبة والمثيرة، إنّهم يعمدون إلى الإستعانة بأي أسلوب يؤدي إلى حرف أفكار الناس واهتماماتهم عن الحق.
والانكى من ذلك طرح بعض البحوث والقضايا الفارغة التافهة في الاوساط العلمية لتثار حولها ضجة تهيمن على اهتمامات الناس ووعيهم، وتصدّهم عن التفكير بالقضايا الأساسية والأُمور المهمّة.
لكن... هل استطاع المشركون التغلّب على القرآن الكريم بأعمالهم هذه؟! لقد عمّهم الفناء وذهبت أساليبهم الشريرة ادراج الرياح، وامتد القرآن واتسع في تأثيره حتى استوعب أرجاء الدنيا.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي بعضهم لبعض ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ إذا قرأه محمد ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ ارفعوا أصواتكم بالهذيان لتخلطوا عليه ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ القارىء على قراءته.