إنّ هذا الأسلوب من التعامل مع المعارضين و الأعداء ليس بالأمر العادي السهل، والوصول إليه يحتاج إلى بناء أخلاقي عميق، لذلك فإنّ الآية التي بعدها تبين الأسس الأخلاقية لمثل هذا التعامل في تعبير قصير ينطوي على معاني كبيرة، حيث يقول تعالى: (وما يلقاها إلاّ الذين صبروا)(6).
و كذلك: (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
على الإنسان أن يجاهد نفسه مدّة طويلة حتى يستطيع أن يسيطر على غضبه، يجب أن تكون روحه قوية في ظلّ الإيمان والتقوى حتى لا يستطيع أن يتأثر بسرعة وبسهولة بإيذاء الأعداء، ولا يطغى عنده حب الإنتقام، فتلزمه الروح الواسعة وانشراح الصدر بالمقدار الكافي، حتى يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الكمال بحيث يقابل السيئات بالإحسان. وعليه أن يتجاوز مرحلة العفو ليصل إلى منزلة (دفع السيئة بالحسنة) وأن يحتسب كلّ ذلك في سبيل الله تعالى بغية تحقيق الأهداف المقدّسة.
وهنا أيضاً - كما تلاحظون - تواجهنا قضية (الصبر) بوصف هذه الخصلة الأساس المتين لكل الملكات الأخلاقية الفاضلة، وهي شرط في التقدم المعنوي والمادي(7).
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ أي الخصلة المذكورة ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على تجرع المكاره ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ عقل كامل أو ثواب جزيل هو الجنة.