لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
إنّ هناك - بلا شك - موانع تحول دون الوصول إلى هذا الهدف العظيم، وإنّ وساوس الشيطان تمنع الإنسان من تحقيق ذلك بوسائل مختلفة، لذلك نرى الآية الأخيرة تخاطب الرّسول (ص)بوصفه الأسوة والقدوة فتقول له: (وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه هو السميع العليم)(8)(نزغ) تعني الدخول في عمل ما لإفساده، ولهذا السبب يطلق على الوساوس الشيطانية (نزغ) وهذا التحذير بسبب ما يراود ذهن الإنسان من مفاهيم مغلوطة خطرة، إذ يقوم بعض أدعياء الصلاح بتوجيه النصائح على شاكلة قولهم: لا يمكن إصلاح الناس إلاّ بالقوّة. أو يجب غسل الدم بالدم. أو الترحم على الذئب ظلم للخراف وأمثال ذلك من الوساوس التي تنتهي إلى مقابلة السيئة بالسيئة. القرآن الكريم يقول: إيّاكم والسقوط في مهاوي هذه الوساوس، ولا تلجأوا إلى القوّة إلاّ في موارد معدودة، وعندما يواجهكم أمثال هذا الكلام فاستعينوا بالله واعتمدوا عليه لأنّه يسمع الكلام ويعلم النيات. وأخيراً، تتضمّن الآية الدعوة إلى الاستعاذة بالله على مفهوم واسع، وما ذكر هو أحد المصاديق لذلك. ملاحظتان أوّلا: برنامج الدعاء إلى الله لقد تضمّنت الآيات الأربع - أعلاه - أربعة بحوث بالنسبة الى كيفية الدعوة إلى الله تعالى. والخطوات الأربع هي: أوّلا: البناء الذاتي للدعاة من حيث الإيمان والعمل الصالح. ثانياً: الاستفادة من أسلوب (دفع السيئة بالحسنة). ثالثاً: تهيئة الأرضية الأخلاقية لإنجاز هذا الأسلوب والعمل به. رابعاً: رفع الموانع من الطريق ومحاربة الوساوس الشيطانية. لقد قدّم لنا رسول الله(ص) والأئمّة من أهل بيته(عليهم السلام) خير أسوة وقدوة في تنفيذ هذا البرنامج والإلتزام به، و الإلتزام بهذا البرنامج يعتبر أحد الأسباب التي أدّت بالاسلام في ذلك العصر المظلم الى الأتساع والانتشار. واليوم يشهدعلم النفس العديد من البحوث والدراسات حول وسائل التأثير على الآخرين، إلاّ أنّها تعتبر شيئاً تافهاً في مقابل عظمة الآيات أعلاه، خصوصاً وأن البحوث هذه عادة ما تتعامل مع ظواهر الإنسان وتستهدف الكسب السريع العاجل ولو من خلال التمويه والخداع، لكن البرنامج القرآني يخوض في أعماق النفس البشرية ويؤسس قواعد تأثيره على مضمون الإيمان والتقوى. واليوم; ما أحلى أن يلتزم المسلمون ببرنامج دينهم، ويعمدون إلى نشر الإسلام في عالم متلهف إلى قيم السماء. أخيراً تنهي هذه الفقرة بإضاءة نبوية نقتبسهاعن تفسير (علي بن إبراهيم) الذي ورد فيه: (أدّب الله نبيّه فقال: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن)، قال: ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك، حتى يكون( الذي بينك وبينهُ عداوة كأنّه ولي حميم))(9). ثانياً: الإنسان في مواجهة عواصف الوسواس: ثمّة منعطفات صعبة في حياة المؤمنين يكمن فيها الشيطان، ويحاول أن ينزغ ويحيد بالإنسان عن طريق السعادة وكسب رضا الله تعالى. وعلى الإنسان في مقابل وسواس الشيطان أن يعتمد في تجاوزها على الله، وإلاّ فإنّه لا يستطيع ذلك لوحده، فعليه أن يتوكل على الله ليجتاز عقبات الطريق ومخاطره، ويتمسك بحبل الله المتين. لقد ورد في الحديث أن شخصاً أساء لآخر في محضر رسول الله(ص) فثار الغضب في قلبه واشتعلت فيه هواجس الثار، فقال رسول الله(ص): (إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنهُ الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). فقال الرجل: أمجنوناً تراني؟ فاستند رسول الله(ص) إلى القرآن وتلا قوله تعالى: (وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله)(10). وهذه إشارة إلى أنّ ثورة الغضب من وسواس الشيطان، مثلما تعتبر ثورة الشهوة والهوى من وسواسه أيضاً. ونقرأ في كتاب (الخصال) أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)علّم أصحابه أربعمائة باب تنفع المسلمين في الدين والدنيا، من ضمنها قوله(ع) لهم: (إذا وسوس الشيطان إلى أحدكم فليستعذ بالله وليقل: آمنت بالله مخلصاً له الدين)(11). ﴿وَإِمَّا﴾ الشرطية أدغمت في ما الزائدة للتأكيد ﴿يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ أي وسوسة صارفة عما أمرت به ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ من شره يكفكه ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعائك ﴿الْعَلِيمُ﴾ بصلاحك.