التّفسير
كتاب الهداية والشفاء:
قام الكفار والمشركون بمحاربة رسول الله(ص) وتكذيبه، والتصدي للاسلام والقرآن والايات السابقة كانت تحكي عن الحادهم وكفرهم بآيات الله لذلك جاءت الآية الأولى من الآيات التي بين أيدينا لمواساة النّبي(ص) وارشاد المسلمين الذين يواجهون الأذى بأنّ لا محيص لهم عن الاستقامة والصبر.
يقول تعالى: (ما يقال لك إلاّ ما قد قبل للرسل من قبلك).
فإذا كانوا يتهمونك بالجنون والكهانة والسحر، فقد أطلقوا هذه الأوصاف على من قبلك من الأنبياء والمرسلين.
إنّ دعوتك لدين الحق ليست جديدة، وإنّ ما تواجهه وأنت تدعو للدين الجديد ليس جديداً أيضاً، لذلك ما عليك - يا رسول الله - إلاّ أن ترابط بقوّة وتلزم ما أنت عليه ولا تهتم بكلام هؤلاء، لأنّ الله معك.
احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الآية هو: أنّ الكلام الذي قيل لك من قبل الله هو نفس الكلام الذي قيلَ لمن قبلك من الأنبياء(1).
لكن المعنى الأوّل أنسب في المقام، خاصة مع ملاحظة سياق الآيات القادمة.
يقول الله تبارك وتعالى في نهاية الآية: (إنّ ربّك لذو مغفرة وذو عقاب أليم).
فرحمتهُ ومغفرته للمصدّقين، وعذابه للمكذبين والمعارضين.
وهذا الجزء من الآية هو بشارة للمؤمنين وتشويق لهم، وإنذارٌ للكفار وتهديد لهم.
إنّ تقديم (المغفرة) على (العقاب) يشبه - في الواقع - الموارد الأُخرى، وهو دليل على تقدّم رحمته تعالى على غضبه، كما جاء في المأثور من الدعاء: "يامن سبقت رحمتهُ غضبهُ"(2).
الآية التي بعدها تتحدث عن ذرائع هؤلاء المعاندين، وترد على واحدة منها، إذ هم كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن بلسان الأعاجم حتى نهتم به أكثر ويستفيد منهُ غير العرب؟
إنّها حجّة عجيبة!
ولعلّهم كانوا يستهدفون منها عدم فهم الناس القرآن حتى لا يضطروا إلى منعهم عنه، كما حكى القرآن عن سلوكهم هذا في آية سابقة في قوله تعالى: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه)(3).
﴿مَا يُقَالُ﴾ ما يقول كفار مكة ﴿لَكَ إِلَّا﴾ مثل ﴿مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ من التكذيب أو ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم من الصبر ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾.