يقول تعالى: (ومن آياته أنّك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت).
هذه الأرض الميتة اليابسة الخالية من الحركة وآثار الحياة، أي قدرة حولتها إلى نبض دائم يمور بالحياة والحركة، إنّه الماء، وإنّه لدليل كبير على قدرة الله الأزلية، وعلامة على وجود ذاته المقدّسة.
ثم تنتقل الآية من قضية التوحيد المتمثلة هنا بالحياة التي ما زالت تحيطها الكثير من الأسرار والخفايا والغموض، إلى قضية المعاد، حيث يقول تعالى: (إنّ الذي أحياها لمحي الموتى).
نعم: (إنّه على كلّ شيء قدير).
فدلائل قدرته واضحة في كلّ مكان، ومع هذا الوضع فكيف نشكّك بالمعاد ونعتبره محالا، أليس هذا سوى الجهل والغفلة؟
(خاشعة) من (الخشوع) وتعني في الأصل التضرع والتواضع الملازم للأدب. واستخدام هذا التعبير بخصوص الأرض الميتة اليابسة، يعتبر نوعاً من الكناية.
فالأرض اليابسة الفاقدة للماء ستخلو من أي نوع من أنواع الثبات، وستشبه الإنسان الساقط أرضاً أو الميت الذي لا حراك فيه، إلاّ أن نزول المطر سيهب لها الحياة ويجعلها تتحرك وتنمو.
(ربت) من (ربو) على وزن (غلو) وتعني الزيادة والنمو، والربا مشتق من نفس هذه الكلمة، لأنّ المرابي يطلب دينهُ مع الزيادة.
(اهتزت) من (هز) على وزن (حظ) وتعني التحريك الشديد.
وحول (المعاد الجسماني) وأدلته وكيفية الاستدال عليه من عالم النبات تقدم بحث مفصّل في نهاية سورة (يس) من هذا التّفسير.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ ذليلة يابسة ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ تحركت وانتفخت ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا﴾ بالنبات ﴿لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.