الآية التالية تستمر في مواساة رسول الله(ص) والمؤمنين معه وتقول لهم: إنّ للعناد والإنكار تأريخ طويل في حياة النبوات: (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه).
وإذ ترى أنّنا لا نعجل في عقاب هؤلاء الأعداء المعاندين، فذلك لأنّ المصلحة تقتضي أن يكونوا أحراراً حتى تتمّ الحجّة عليهم: (ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم) أي لكان العقاب قد شملهم بسرعة.
إنّ التأجيل الإلهي إنّما يتم هنا لمصلحة الناس ومن أجل المزيد من فرص الهداية والنور، وبغية إتمام الحجّة عليهم، وهذه السنّة كانت نافذة في جميع الأقوام السابقة، وهي تجري في قومك أيضاً.
لكنّهم لم يصدّقوا بهذه الحقيقة بعد: (وإنّهم لفي شك منهُ مريب).
"مريب" من "ريب" بمعنى الشك الممزوج بسوء الظن والقلق، لذلك فمعنى الآية: إنّ المشركين لا يشكون في كلامك وحسب، بل يزعمون وجود القرائن على بطلانه والتي تؤدي بزعمهم إلى الريب.
بعض المفسّرين احتمل أنّ مراد الجملة الأخيرة هم اليهود وكتاب موسى(ع)، بمعنى أنّ هؤلاء القوم لا يزالون يشكون في التوراة، لكن بعد هذا المعنى يرجح التّفسير الأول(7).
في الآية الأخيرة - من المجموعة - نقف أمام قانون عام يرتبط بأعمال الناس، وقد أكّده القرآن مراراً. وهذا القانون يكمل البحث السابق بشأن استفادة المؤمنين من القرآن، بينما يحرم غير المؤمنين أنفسهم من فيض النور الإلهي والهدى الرّباني.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ بالتصديق والتكذيب كالقرآن ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ بتأخير القضاء والجزاء إلى يوم القيامة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ بإهلاك المكذبين ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي اليهود أو قومك ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ من التوراة أو القرآن ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع الريبة.