لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
يقول تعالى في هذا القانون: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربّك بظلاّم للعبيد). لذا فإنّ من لم يؤمن بهذا الكتاب والدين العظيم فسوف لن يضروا الله تعالى ولا يضروك، لأن الحسنات والسيئات تعود إلى أصحابها، وهم الذين سينالون حلاوة أعمالهم ومرارتها. مسائل: أوّلا: الإختيار والعدالة قوله تعالى: (وماربّك بظلام للعبيد) دليل واضح على قانون الإختيار وحربة الإرادة، وفيه حقيقة أنّ الله لا يعاقب أحداً بدون سبب، ولا يزيد في عقاب أحد دون دليل، فسياستهُ في عباده العدالة المحضة، لأن الظلم يكون بسبب النقص والجهل والاهواء النفسية، والذات الإلهية المقدسة منزّهة عن كلّ هذه العيوب والنواقص. كلمة "ظلاّم" والتي هي صيغة مبالغة بمعنى "كثير الظلم"، يمكن أن تشير - هنا وفي آيات قرآنية اُخرى - إلى أنّ العقاب دون سبب من قبل الخالق العظيم يعتبر مصداقاً للظلم الكثير، لأنّه تعالى منزّه عن هذا الفعل. وذهب بعضهم الى أن الله تعالى لهُ عباد كثر، فلو أراد أن يظلم كلّ واحد منهم بجزء يسير قليل، عندها سيكون مصداقاً لـ"ظلاّم". وهذان التّفسيران لا يتعارضان فيما بينهما. المهم هنا أنّ القرآن وفي هذه الآيات البينات نفى الجبر الذي يؤدي الى اشاعة الفساد وارتكاب أنواع القبائح، والاعتقاد به يؤدي إلى إلغاء أي نوع من المسؤولية والتكليف، بينما الجميع مسؤولون عن أعمالهم، نتائجها تعود بالدرجة الأولى عليهم. لذلك نقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع) في الإجابة على هذا السؤال: هل يجبر الله عباده على المعاصي؟ فقال: "لا، بل يخيرهم ويمهلهم حتى يتوبوا". فسئل(ع) مجدداً: هل كلف عباده ما لا يطيقون؟ أجاب الإمام(ع): "كيف يفعل ذلك وهو يقول:(وما ربّك بظلام للعبيد)". ثم أضاف الإمام الرضا(ع): "إنّ أبي موسى بن جعفر نقل عن أبيه جعفر بن محمّد من زعم أنّ الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلوا وراءه ولا تعطوه من الزكاة شيئاً"(8). إنّ هذا الحديث الشريف يشير - ضمناً - إلى هذه الملاحظة الدقيقة. وهي إنّ الجبريين ينتهون في عقيدتهم إلى القول بـ "التكليف بما لا يطاق" لأنّ الإنسان إذا كان مجبوراً على الذنب من ناحية، وممنوعاً عنه من ناحية اُخرى، فهذا يكون مصداقاً واضحاً للتكليف بما لا يُطاق. ثانياً: الذنوب وسلب النعم في حديث عميق الدلالة لأمير المؤمنين نقراً قوله(ع): "وأيم الله! ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها، لأنّ الله ليس بظلام للعبيد". ثم أضاف(ع): "ولو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فاسد."(9) إنّ هذا النص العلوي الكريم يوضح - بجلاء - علاقة الذنوب بسلب النعم وزوالها. ثالثاً: لماذا كلّ هذا التحجج؟! لا شك أنّ اللغة العربية أغنى اللغات وأوسعها، ولكن مع هذا فإنّ عظمة القرآن ليست لأنّه باللغة العربية، بل تعود عربية القرآن إلى أنّ الله يرسل الرسل بلسان قومهم كي يؤمنوا أولا، ثمّ ينتشر الدين إلى الأخرين. لكن أصحاب الذرائع والحجج يطرحون في كلّ موقف حجة أو ذريعة غير منطقية، وهم يعلمون أنّهم بأُسلوبهم هذا لا يبحثون عن الحقيقة ولا ينشدونها. إنّهم يقولون مرّة: لماذا نزل القرآن بالعربية؟ ألم يكن من الأفضل أن ينزل كلّه أو جزء منهُ بلغة اُخرى حتى يفهمهُ الآخرون؟ (في حين أنّهم كانوا يهدفون إلى تحقيق شيء آخر هو أن لا ينجذب عامة العرب نحو القرآن الكريم). ولو حقّق لهم هذا الطلب فسيقولون: كيف يكون الرّسول عربياً وكتابه غير عربي؟ هؤلاء إنّما يهربون من الحق من خلال هذا التذرُّع. وعادةً ما يكون أسلوب التذرُّع وإثارة الحجج دليلا على وجود علة اُخرى وهدف آخر يخفيه الإنسان ويغطّي عليه، وعلّة هؤلاء القوم كانت أنّ عامة الناس شغفوا بالقرآن الكريم وانجذبوا إليه، فأصبحت مصالحهم في خطر، لذا فقد استخدموا كلّ الوسائل المتاحة لهم لمواجهة الإسلام دعوة وكتاباً ونبيّاً. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ ثوابه ﴿وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا﴾ وباله ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾.