وهؤلاء في نفس الوقت الذي يسجلون اعترافهم السابق، فهم أيضاً لا يشاهدون أثراً للمعبودات التي كانوا يعبدونها من دون الله من قبل: (وضلّ عنهم ما كانوا يدعون من قبل).
إنّ مشهد القيامة مشهد موحش مهول بحيث يأخذ منهم الألباب، فينسون خواطر تلك الأصنام والمعبودات التي كانوا يعبدونها ويسجدون لها ويذبحون لها القرابين; بل وكانوا أحياناً يضحون بأرواحهم في سبيلها، وكانوا يظنون أنّها تحل لهم مشكلاتهم وتنفعهم يوم الحاجة... إنّ كلّ ذلك أصبح وهماً كالسراب.
ففي ذلك اليوم سيعلمون: (وظنوا ما لهم من محيص).
"محيص" من "حيص" على وزن "حيف" وتعني العدول والتنازل عن شيء، ولأنّ (محيص) اسم مكان، فهي تعني هنا الملجأ والمفر.
"ظنوا" من "ظنَّ" ولها في اللغة معنىً واسع، فهي أحياناً بمعنى اليقين، وتأتي أيضاً بمعنى الظن. وفي الآية مورد البحث جاءت بمعنى اليقين، إذ أنّهم سيحصل لهم في ذلك اليوم اليقين حيثُ لا مفرَّ ولا نجاة من عذاب الله.
يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: "ظن" تعني الاعتقاد الحاصل من الدليل والقرينة، وهذا الاعتقاد قد يكون قوياً في بعض الأحيان ويصل إلى مرحلة اليقين، وأحياناً يكون ضعيفاً لا يتجاوز حدَّ الظن.
﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ﴾ يعبدون ﴿مِن قَبْلُ﴾ من الأصنام ﴿وَظَنُّوا﴾ أيقنوا ﴿مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾ مهرب والنفي معلق عن العمل