التّفسير
في نفس الاتجاه الذي تحدّثت فيه الآيات السابقة، نلتقي مع مضمون المجموعة الجديدة من الآيات التي بين أيدينا، والتي تواصل حديثها عن صور اُخرى حيّة وناطقة من حياة أناس من عديمي الإيمان وضعافه، الذين يحملون أفكاراً غير ناضجة ومواقف مهزوزة ولا يمتلكون القدرة على تحمل الصعاب.
يقول تعالى: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير).
فليس لحرص الإنسان من نهاية، فكلما يحصل على شيء يطالب بالمزيد، ومهما يعطى لا يكتفي بذلك.
ولكنّه: (وإن مسّهُ الشر فيؤوس قنوط).
والمقصود بالإنسان هنا الإنسان غير المتربي بعد بأصول التربية الإسلامية، والذي لم يتنور قلبهُ بالمعرفة الإلهية والإيمان بالله، ولم يحسّ بالمسؤولية بشكل كامل. إنّها كناية عن الناس المتقوقعين في عالم المادة بسبب الفلسفات الخاطئة، فهم لا يملكون الروح العالية التي تؤهلهم للصبر والثبات، وتجاوز الحدود المادية إلى ما وراءها من القيم العظيمة.
هؤلاء يفرحون إذا أقبلت الدنيا عليهم، وييأسون ويحزنون إذا ما أدبرت عنهم، ولا يملكون ملجأً يلجأون إليه، ولا يدخل نور الأمل والهداية إلى قلوبهم.
وينبغي أن نشير أيضاً إلى أنّ "دعاء" تأتي أحياناً بمعنى المناداة، وأحياناً بمعنى الطلب، وفي الآية التي نبحثها جاءت بالمعنى الثّاني.
لذا فقوله تعالى: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) يعني لا يمل ولا يتعب الإنسان أبداً من طلب الخير والجميل.
وثمّة بيّن المفسّرين اختلاف في الرأي حول "يؤوس" و "قنوط" فيما إذا كانا بمعنى واحد أم لا؟
يرى البعض أنّهما بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد(1).
وقال البعض الآخر: "يؤوس" من"يئس" بمعنى اليأس في القلب، أمّا "قنوط" فتعنى إظهار اليأس على الوجه وفي العمل(2).
أمّا "الطبرسي" فقد قال في مجمع البيان: إنّ الأوّل هو اليأس من الخير، بينما الثّاني هو اليأس من الرحمة(3).
ولكن الذي نستفيد، من الاستخدام القرآني أنّ الاثنين يستخدمان تقريباً للدلالة على معنى واحد، فنقرأ في قصة يوسف - مثلا - أنّ يعقوب(ع) حذّر أبناءه من اليأس من رحمة الله، في حين كانت قلوبهم يائسة من العثور على يوسف، وكانوا أيضاً يظهرون علامات اليأس.(4).
وفي حالة إبراهيم(ع) نرى أنّهُ عجب من البشارة التي زفتها إليه الملائكة بالولد، لكن الملائكة قالت له: (بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين)(5).
﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ﴾ الكافر ﴿مِن دُعَاء الْخَيْرِ﴾ لا يمل من طلب النعمة ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ﴾ البلاء ﴿فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾ من رحمة الله.