الآية التالية تشير إلى صفة اُخرى من صفات الإنسان الجاهل البعيد عن العلم والإيمان متمثلة بالغرور: (ولئن اذقناه رحمةً منّا من بعد ضرّاء مسته ليقولن هذا لي)(6) أي إنّني مستحق ولائق لمثل هذه المواهب والمقام.
إنّ الإنسان المغرور ينسى أنّ البلاء كان من الممكن أن يشمله عوضاً عن النعمة، تماماً كما قال قارون: (قال إنّما أوتيته على علم عندي)(7).
تضيف الآية بعد ذلك أنّ هذا الغرور يقود الإنسان في النهاية إلى إنكار الآخرة حيث يقول: (وما أظن الساعة قائمة). ولنفرض أنّ هناك قيامة فإنّ حالي سيكون أحسن من هذا: (ولئن رجعت إلى ربّي انّ لي عندهُ للحسنى).
إنّ هذه الحالة تشابه ما استمعنا إليه في سورة الكهف من قصة الرجلين الذين كان أحدهما غنياً مغروراً، والثّاني عارفاً مؤمناً،حيث حكت الآية على لسان الثري المغرور قوله: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي لا جدنّ خيراً منها منقلباً)(8).
لكنّ الله يحذّر أمثال هؤلاء بقوله تعالى: (فلننبئنّ الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ).
"العذاب الغليظ" هو العذاب الشديد المتراكم.
نفس هذا المعنى لاحظناه في مكان آخر من القرآن، في قوله تعالى في الآية (10) من سورة هود: (ولئن اذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولن ذهب السيئات عنّي إنّه لفرح فخور).
الآية التي بعدها تذكر حالة ثالثة لمثل هؤلاء، هي حالة النسيان عند النعمة والفزع والجزع عند المصيبة.
﴿وَلَئِنْ﴾ قسم ﴿أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً﴾ نعمة ﴿مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ مستحق لي بعملي أو دائم لي ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ فرضا ﴿إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى﴾ كما أكرمني في الدنيا ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾ إذا جازيناهم به ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ شديد.