يقول تعالى: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآ بجانبه) أما: (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض).
"نآ" من "نأي" على وزن "رأي" وتعني الابتعاد، وعندما تقترن مع كلمة "بجانبه" فتكون كناية عن التكبر والغرور، لأنّ المتكبرين ينأون بوجوههم دون اهتمام ويبتعدون.
"العريض" مقابل الطويل، ويستخدم العرب هاتين الكلمتين للدلالة على الزيادة والكثرة.
وفي الاية (12) من سورة يونس نرى معاني شبيهة لما نحنُ بصدده، حيث يقول تعالى: (وإذا مسَّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنهُ ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون).
إنّ الإنسان الذي يفتقد الإيمان والتقوى يكون عرضة لمثل هذه الحالات، فهو مع إقبال النعم مغرور ناس لله، وإذا أدبرت عنهُ قنوط يائس كثير الجزع.
وفي الجانب المقابل نرى أنّ رجال الحق وأتباع الأنبياء والرسل لا يتغيرون إذا أقبلت عليهم النعم، ولا يهنون أو ييأسون أو يجزعون عند إدبارها، إنّهم مصداق قوله تعالى: (رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) فأربح التجارة لا تنسيهم ربّهم، إنّهم عارفون حق المعرفة بفلسفة النعمة والبلاء في هذه الدنيا، يعلمون أنّ الابتلاءات ناقوس خطر لهم، بينما النعم اختبار وامتحان إلهي لهم.
ومن الابتلاء ما يكون أحياناً عقوبةً للغفلة والنسيان، والنعم لإثارة دوافع الشكر لدى العباد.
ويلفت النظر هنا طرافة الاستخدام القرآني لكلمتي "أذقنا" و "مسه" والتي تعني أنّهم مع قليل جداً من إقبال الدنيا عليهم يتغيرون وينسون ويصابون بالغرور، وهؤلاء مع "مسّة" قليلة من ضرر أو بلاء يصابون باليأس والقنوط.
من هنا نقف على قيمة سعة الروح، وتدفق النفس بالإيمان، واتساع آفاق الفكر، وانشراح الصدر، واستعداد الإنسان لمواجهة المشاكل والصعاب، وتحدي المزالق والأهواء، التي تعتبر جميعأ من ثمار الإيمان والتقى.
يقول شهيد المحراب الإمام أمير المؤمنين علي(ع) في أحد أدعيته التي تعتبر درساً لأصحابه: "نسأل الله سبحانهُ أن يحعلنا وإيّاكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربِّه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامةً وكئابة"(9).
﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ﴾ عن الشكر ﴿وَنَأى بِجَانِبِهِ﴾ بعد بنفسه عنه تجبرا وقرئتا على القلب أو بمعنى بهظ ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ﴾ كثير دائم.