لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
نعمةُ الحياة: القرآن في الآيتين يلفت أنظار البشر إلى عظمة الخالق عن طريق ذكر بعض النعم الإِلهية وبعض المظاهر المدهشة للخلقة. وبذلك يكمل الأدلة التي أوردها في الآيتين (21 و22) من هذه السّورة حول معرفة الله. القرآن يبدأ في أدلته من نقطة لا تقبل الإنكار، ويركز على مسألة (الحياة) بكل ما فيها من تعقيد وغموض، ويقول: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾. وفي هذه العبارة تذكير للإِنسان بما كان عليه قبل الحياة... لقد كان ميتاً تماماً مثل الأحجار والأخشاب ولم يكن فيه أي أثر للحياة، لكنه الآن يتمتع بنعمة الحياة، وبنعمة الشعور والإِدراك. من الذي منح الإنسان نعمة الحياة؟ هل أن الكائن البشري هو الذي منح نفسه الحياة؟! كل إنسان منصف لا يتردد أن يجيب: أن هذه الحياة موهوبة للإِنسان من لدن عالم قادر... عالم برموز الحياة وقوانينها المعقدة... وقادر على تنظيمها. إذن كيف يكفر هذا الإِنسان بمن أحياه بعد موته؟! أجمعت العلماء اليوم أن مسألة الحياة أعقد مسألة في عالمنا هذا، لأن لغز الحياة لم ينحل حتى اليوم على الرغم من كل ما حققه البشر من تقدّم هائل في حقل العلم والمعرقة. قد يستطيع العلم في المستقبل أن يكتشف بعض أسرار الحياة... لكن السؤال يبقى قائماً بحاله: كيف يكفر الإِنسان بالله وينسب هذه الحياة بتعقيداتها وغموضها وأسرارها إلى صنع الطبيعة العمياء الصّماء الفاقدة لكل شعور وإدراك؟! من هنا نقول إن ظاهرة الحياة في عالم الطبيعة أعظم سند لإثبات وجود الله تعالى. والقرآن يركز في الآية المذكورة على هذه المسألة بالذات، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعمق، لكننا نكتفي هنا بهذه الإشارة. بعد التذكير بهذه النعمة، تؤكد الآية على دليل واضح آخر وهو «الموت» (ثم يميتكم). ظاهرة «الموت» يراها الإِنسان في حياته اليومية، من خلال وفاة من يعرفهم ومن لا يعرفهم، وهذه الظاهرة تبعث أيضاً على التفكير، من الذي قبض أرواحهم؟ ألا يدلّ سلبُ الحياة منهم على أن هناك من منحهم هذه الحياة؟ نعم... إن خالق الحياة هو خالق الموت أيضاً، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: ﴿يالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَ﴾. بعد أن ذكرت الآية هذين الدليلين الواضحين على وجود الله، تناولت المعاد والحياة بعد الموت: ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾. ويأتي ذكر المعاد في سياق هذه الآية ليبين أن مسألة الحياة بعد الموت (المعاد) مسألة طبيعية جداً لا تختلف عن مسألة إحياء الإِنسان في هذه الدنيا بل إنها أيسر من الخلق الاول (مع أن السهل والصعب ليس لها مفهوم بالنسبة للقادر المطلق). وهل بمقدور إنسان أن ينكر إمكان المعاد وهو يرى أنه خلق من عناصر ميتة؟! وهكذا، وبعبارة موجزة رائعة يفتح القرآن أمام الإنسان سجل حياته منذ ولادته وحتى بعثه. وفي نهاية الآية يقول تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرجَعُونَ﴾. والمقصود بالرجوع هو الرجوع إلى نعم الله تعالى يوم القيامة. والرجوع غير البعث. والقرآن يفصل بين الاثنين كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمْ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون﴾. قد يكون الرجوع في الآية الكريمة إشارة إلى معنى أدقّ، هو إن جميع الموجودات تبدأ مسيرة تكاملها من نقطة العدم التي هي نقطة «الصفر» وتواصل السير نحو «اللانهاية» التي هي ذات الله سبحانه وتعالى. من هنا فإن هذه المسيرة لا تتوقف لدى الموت، بل تستمر في الحياة الاُخرى على مستوى أسمى. ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ الخطاب لكفار قريش ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً﴾ عناصر وأغذية وأخلاطا ونطفا وما يتعقبها إلى ولوج الأرواح في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ بنفخ الأرواح فيكم وعطف بالفاء لتعقيب الموت بلا تراخ والبواقي بثم للتراخي ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ في هذه الدنيا ويقبركم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذب فيها الكافرين أو في القيامة ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بعد النشور للجزاء أو تبعثون من قبوركم إليه للحساب فواو ﴿وَكُنتُمْ﴾ للحال والحال هي العلم بجملة القصة لا كل جملة منها لمضي بعضها واستقبال بعضها.