ثم يشير القرآن إلى موقف الكفار والمؤمنين حيال القيامة، فتقول الآية: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها).
فهؤلاء لا يقولون ذلك بسبب عشقهم للقيامة والوصول إلى لقاء المحبوب أبداً، إنّ كلامهم هذا من قبيل الإستهزاء والإنكار، ولو كانوا يعلمون ما سيحل عليهم يوم القيامة لم يطلبوا مثل هذا الأمر.
(والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنّها الحق)(1).
طبعاً لحظة قيام القيامة خافية على الجميع، حتى بالنسبة للأنبياء المرسلين والملائكة المقربين، ليكون هذا الأمر أسلوباً تربوياً مستمراً للمؤمنين، واختباراً واتمام حجة للمنكرين، ولكن لا يوجد أي شك في أصل وقوعها.
ومن هنا يتّضح مدى التأثير التربوي العميق للإيمان بالقيامة ومحكمة العدل الإلهي الكبيرة على المؤمنين خاصة في احتمالهم حصول هذا الأمر في أية لحظة من اللحظات.
وكإعلان عام، تقول الآية في نهايتها: (ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد) لأن نظام هذا العالم يعتبر - بحد ذاته - دليلا على أنّه مقدمة لعالم آخر وبدونه سيكون خلق هذا العالم عبثاً وليس له أي معنى، وهذا لا يتناسب مع حكمة الخالق ولا مع عدالته.
وتشير عبارة (ضلال بعيد) إلى أن الإنسان قد يضل الطريق أحياناً، إلاّ أنّه لا يبتعد عنه كثيراً، وبقليل من البحث والجهد يمكنه أن يكتشف الطريق وأحياناً يكون البعد كبيراً جداً بحيث يصعب - أو يستحيل - عليه العثور على الطريق مرّة اُخرى.
والطريف في الأمر أنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم(ص): "سأل رجل رسول الله في إحدى سفراته وبصوت مرتفع: يا محمّد...، فأجابه الرّسول(ص)وبصوت مرتفع مثل صوته "ما تقول؟".
قال الرجل: متى الساعة؟
قال الرّسول(ص): "إنّها كائنة فما اعددت لها؟".
قال الرجل: حبّ الله و رسوله!
قال الرّسول(ص): "أنت مع من أحببت"(2).
﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ استهزاء ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ﴾ خائفون ﴿مِنْهَا﴾ خوفا مقرونا بالرجاء ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ الواجب كونه ﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ﴾ يخاصمون من المرية الشك ﴿فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ عن الصواب.