لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولبيان عظمة هذا الجزاء تقول الآية التي بعدها: (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات). يبشرهم حتى لا تَصعُب عندهم آلام الطاعة والعبودية ومجاهدة هوى النفس والجهاد حيال أعداء الله، ويقوم هذا الجزاء العظيم بترغيبهم ويعطيهم القدرة والطاقة الكبيرة لسلوك طرق الحياة المليئة بالصعوبات والمشاكل للوصول إلى رضا الخالق. وقد يتوهم أن نبيّ الإسلام(ص) يريد جزاءً وأجراً على إبلاغ هذه الرسالة، لذا فإنّ القرآن يأمر الرّسول بعد هذا الكلام ليقول: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) أي حبّ اهل بيتي. ومودة ذوي القربى ومحبتهم - كما سيأتي بيانها بشكل مفصل - ترتبط بقضية الولاية وقبول قيادة الأئمة المعصومين عليهم السلام من آل الرّسول حيث تعتبر في الحقيقة استمراراً لقيادة النّبي(ص) واستمراراً للولاية الإلهية، وجليّ أن قبول هذه الولاية والقيادة كقبول نبوة النّبي(ص) ستكون سبباً لسعادة البشرية نفسها وستعود نتائجها إليها. توضيح هناك بحوث متعددة وتفاسير مختلفة للمفسّرين في تفسير هذه الجملة، بحيث إذا ما نظرنا إليها بدون أي موقف مسبق نشاهد أنّها ابتعدت عن المفهوم الأصلي للآية بسبب الدوافع المختلفة، وذكروا احتمالات لا تتلاءم مع محتوى الآية، ولامع سبب نزولها ،ولا مع سائر القرائن التأريخية والروائية. وبشكل عام هناك أربعة تفاسير معروفة للآية: 1 - هو ما قلناه أعلاه، حيث أن المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الرّسول(ص)، وحبّهم يعتبر وسيلة لقبول إمامة وقيادة الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)من نسل الرّسول(ص)، ودعماً لتطبيق الرسالة. وقد اختار هذا المعنى جمع من المفسّرين الاوائل، وجميع المفسّرين الشيعة، ووردت روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنّة في هذا المجال سنشير إليها لاحقاً. 2 - المقصود هو أن جزاء الرسالة وأجرها هو حب أُمور معينة تقربكم من الله. هذا التّفسير الذي ذكره بعض مفسّري أهل السنة لا يتلاءم مع ظاهر الآية أبداً، لأن معنى الآية سيصبح هكذا: إنني أريد منكم أن تحبوا طاعة الخالق، وتودونه في قلوبكم، في حين أنّه يجب أن يقال: إنني أريد منكم أن تطيعوا الخالق، (وليس مودة الطاعة الإلهية). إضافة إلى ذلك فإنّه لا يوجد أحد بين المخاطبين في الآية لا يرغب بالتقرب من الخالق، وحتى المشركين كانوا يرغبون بذلك، وكانوا يظنون أن عبادة الأصنام تعتبر وسيلة لهذا الأمر. 3 - المقصود حبّ أقرباءكم بعنوان أجر الرسالة، أي بصلة الرحم. وبملاحظة هذه التّفسير لا يوجد أي ترابط بين الرسالة وأجرها، لأنّه ماذا يستفيد الرّسول(ص) من حبّ الشخص أقرباءهُ؟ وكيف يمكن اعتبار هذا الأمر أجراً للرسالة؟! 4 - المقصود أن أجري هو أن تحفظوا قرابتي منكم، ولا تؤذونني، لأني أرتبط برابطة القرابة مع أكثر قبائلكم (لأن الرّسول(ص) كان يرتبط بقبائل قريش نسبياً، وبالقبائل الأُخرى سببياً (عن طرق الزواج)، وعن طريق أمه بعض أهالي المدينة من قبيلة بني النجار، وعن طريق مرضعته بقبيلة بني سعد). هذه العبارة هي أسوأ تفسير مذكور للآية، لأن طلب أجر الرسالة هو من الأشخاص الذين آمنوا بها، ومع هؤلاء الأشخاص لا توجد حاجة إلى مثل هذا الكلام، فأُولئك كانوا يحترمون النّبي(ص) لأنّه مرسل إلهي، ولا توجد حاجة لإحترامه بسبب قرابته، لأن الإحترام الناشىء بسبب قبول الرسالة فوق جميع هذه الأُمور، وفي الواقع يجب اعتبار هذا التّفسير من الأخطاء الكبيرة التي أصابت بعض المفسّرين ومسخت مفهوم الآية بشكل كامل. ولكي نفهم حقيقة محتوى الآية بشكل أفضل، علينا طلب العون من الآيات القرآنية الأُخرى: نقرأ في العديد من آيات القرآن المجيد: (ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين)(3). وهناك عبارات مختلفة تخصّ الرّسول، فقد ورد في القرآن: (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلاّ على الله)(4). وفي مكان آخر نقرأ: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتخذ إلى ربّه سبيلا). وأخيراً: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)(5). وعندما نضع هذه الآيات الثلاثة إلى جانب الآية التي نبحثها، يسهلً علينا الإستنتاج: ففي مكان تنفي الآية الأجر والجزاء بشكل كامل. وفي مكان آخر تقول الآية: إنني أطلب الأجر من الأشخاص الذين يريدون سلوك الطريق إلى الخالق. وبخصوص الآية الثّالثة فإنّها تقول: إنّ الأجر الذي أطلبه منكم إنّما هو لكم. وأخيراً فإن الآية التي نبحثها تضيف: إن مودّة القربى هي أجر رسالتي، يعني أن الأجر الذي طلبته منكم ويشمل هذه الخصوصيات: لا يعود نفعه إلىّ أبداً، بل ينفعكم بالكامل، ويعبّد الطريق أمامكم للوصول إلى الخالق. وعلى هذا الإساس، فهل تعني الآية شيئاً آخر سوى قضية استمرار خط رسالة النّبي الكريم بواسطة القادة الإلهيين وخلفاءه المعصومين الذين كانوا جميعهم من عائلته؟ لكن لأن المودة هي أساس هذا الإرتباط نرى أن الآية أشارت بصراحة إلى ذلك. والطريف في الأمر أن هناك خمسة عشر مورداً في القرآن المجيد - غير الذي ذكرناـ ذكر فيه كلمة (القربى) حيث أن جميعها تعني الأقرباء، ومع هذا الوضع لا نعلم لماذا يصر البعض بحصر معنى كلمة القربى في (التقرب إلى الله) ويتركون المعنى الواضح والظاهر المستخدم في جميع الآيات القرآنية؟. ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة، وهي أنّه ورد في آخر الآية: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور). وهل هناك حسنة أفضل من أن يكون الإنسان دائماً تحت راية القادة الإلهيين، يحبّهم بقلبه، ويستمر على خطهم، يطلب منهم التوضيح للقضايا المبهمة في كلام الخالق، يعتبرهم القدوة والأسوة وسيرتهم وعملهم هو المعيار. الروايات الواردة في تفسير هذه الآية الدليل الآخر على التّفسير أعلاه هو الروايات المتعددة الواردة في مصادر أهل السنة والشيعة، والمنقولة عن الرّسول(ص)، حيث توضح أن المقصود من (القربى) هم أهل البيت والمقربون وخاصة الرّسول، وعلى سبيل المثال نذكر: 1 - ينقل (أحمد بن حنبل) في فضائل الصحابة بسنده عن سعيد بن جبير عن عامر: لما نزلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله! ومن قرابتك؟ من هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: "علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، وقالها ثلاثاً"(6). 2 - ورد في (مستدرك الصحيحين) أن الإمام علي بن الحسين(ع) قال: عند استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي(ع)، وقف الحسن بن علي(ع) يخطب في الناس، وكان ممّا قال: إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كلّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه:(قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت(7). 3 - ذكر (السيوطي) في (الدر المنثور) في نهاية الآية التي نبحثها عن مجاهد عن ابن عباس أنّه قال في تفسير آية: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى):أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي(8). ومن هنا يتّضح ضعف ما ينقل عن ابن عباس بطريق آخر من أن المقصود هو عدم إيذاء النّبي(ص) بسبب قرابته مع القبائل العربية المختلفة. 4 - ينقل (ابن جرير الطبري) في تفسيره بسنده عن (سعيد بن جبير) وبسند آخر عن (عمر بن شعيب) أن المقصود من هذه الآية هم قربى رسول الله(ص)(9). 5 - وينقل العلاّمة الطبرسي عن (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني، الذي هو من المفسّرين والمحدثين المعروفين لأهل السنة، عن (أبي أمامة الباهلي) أن رسول الإسلام(ص) قال: "إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وأنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقهاـ حتى قال - لو أن عبداً عبدالله بين الصفا والمروة ألف عام، ثمّ ألف عام، ثمّ ألف عام، حتى يصير كالشن البالي، ثمّ لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النّار، ثمّ تلا: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى)". والطريف في الأمر أن هذا الحديث اشتهر بدرجة بحيث أن الشاعر المعروف الكميت أشار إلى ذلك في أشعاره، فقال: وجدنا لكم في آل حاميم آية تأوّلَها منا تقيٌّ ومعربُ(10)6 - وينقل السيوطي أيضاً في (الدر المنثور) عن ابن جرير عن أبي الديلم: عندما تأسّر علي بن الحسين(ع)، وأوقفوه في بوابة دمشق، قال رجل من أهل الشام: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم. قال علي بن الحسين(ع): هل قرأت القرآن؟ قال: نعم قال: هل قرأت سور حم. قال: لا. قال: ألم تقراً هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى). قال: أأنتم الذين أشارت لهم هذه الآية؟ قال: بلى(11). 7 - نقل (الزمخشري) حديثاً في "تفسير الكشاف" وقد اقتبسه أيضاً الفخر الرازي والقرطبي في تفسيرهما، حيث يوضح هذا الحديث مقام آل محمّد وأهمية حبّهم، فيقول: قال رسول الله(ص): من مات على حب آل محمّد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمّد مات مغفوراً له ألا ومن مات على حب آل محمّد مات تائباً ألا ومن مات على حب آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمّد بشره ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ألا ومن مات على حب آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمّد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة(12). والطريف في الأمر أن (الفخر الرازي) بعد ذكر هذا الحديث الشريف الذي أرسله "صاحب الكشاف" ارسال المسلمات، يقول: "وأنا أقول: آل محمّد هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً الحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل هم امته فإن حملناه على القرابة فهم الآل وإن حملناه على الأُمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل، وأما غيرهم فيدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه. وروى فيه صاحب الكشاف أنّه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال علي وفاطمة وابناهما فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النّبي، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه: الأول: قوله تعالى: (إلا المودة في القربى) ووجه الإستدلال به ما سبق. الثّاني: لا شك أن النبي(ص) كان يحب فاطمة وقال (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها) وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله(ص) أنّه كان يحب علياً والحسن والحسين وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأمة مثله لقوله: (واتبعوه لعلكم تهتدون) ولقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) ولقوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ولقوله سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). الثّالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد وأرحم محمّداً وآل محمّداً. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حبّ آل محمّد واجب. وقال الشافعي رضي الله عنه: يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كما نظم الفرات الفائض إن كان رفضاً حب آل محمّد فليشهد الثقلان أني رافضي(13)نعم فهذا مقام آل محمّد الذين نتمسك بهم ونؤمن بهم كقادة لنا، وسراج لديننا ودنيانا، ونعتبرهم أسوة وقدوة لنا، ونرى أن استمرار خط النبوة في إمامتهم. وطبعاً، فإن هناك روايات كثيرة اُخرى غير التي ذكرناها أعلاه، في المصادر الإسلامية، وقد اكتفينا بسبع روايات مراعاة للإختصار، ولكن لا بأس من ذكر هذه الملاحظة، وهي أنّه في بعض المصادر الكلامية كإحقاق الحق وشرحه المبسوط، ورد الحديث المعروف أعلاه بشأن تفسير الآية: (قل لا أسألكم أجراً إلاّ الموة في القربى) منقولا عن خمسين كتاباً تقريباً من كتب أهل السنة، حيث يبيّن هذا الأمر مدى انتشار هذه الرواية واشتهارها، بغض النظر عن المصادر الكثيرة التي تنقل هذا الحديث عن طريق أهل البيت(عليهم السلام). بحوث 1ـ كلام مع المفسر المعروف (الآلوسي) في هذا المجال يطرح سؤال ذكره الآلوسي في تفسير روح المعاني بشكل اعتراض على الشيعة، ونحن نذكر ذلك على شكل سؤال ونقوم بمناقشته: يقول: "ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الإستدلال على إمامة علي كرم الله تعالى وجهه قال: علي كرم الله تعالى وجهه واجب المحبة وكل واجب المحبة واجب الطاعة وكل واجب الطاعة صاحب الإمامة، ينتج، علي رضي الله عنه صاحب الإمامة وجعلوا الآية دليل الصغرى، ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث أمّا أوّلا: فلأن الإستدلال بالآية على الصغرى لا يتمّ إلاّ على القول بأن معناها لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوا قرابتي وتحبوا أهل بيتي وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأوّل وقيل في هذا المعنى: إنّه لا يناسب شأن النبوّة لما فيه من التهمة فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفعٌ لأولادهم وقراباتهم وأيضاً فيه منافاة لقوله تعالى: (وما تسألهم عليه من أجر) وأمّا ثانياً: فلأنا لا نسلم أن كلّ واجب المحبة واجب الطاعة فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الإعتقادات أن الإمامية اجمعوا على وجوب محبة العلوية مع أنّه لا يجب طاعة كلّ منهم. وأمّا ثالثاً: فلا لا نسلم إن كلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة أي الزّعامة الكبرى وإلاّ لكان كلّ نبي في زمنه صاحب ذلك ونص: (إنّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً) يأبى ذلك. وأمّا رابعاً: فلأن الآية تقتضي أن تكون الصغرى أهل البيت واجبو الطاعة ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا ينتج النتيجة التي ذكروها ولو سلمت جميع مقدماته، بل ينتج أهل البيت صاحبو الإمامة وهم لا يقولون بعمومه..."(14). تحليل ومناقشة: يمكن توضيح جواب العديد من هذه الإشكالات إذا راجعنا تصورنا لهذه الآية - التي نبحثها - وفقاً للقرائن المتعدده القوية الموجودة في نفس هذه الآية، وسائر الآيات القرآنية الأُخرى: قلنا: إن هذه المحبّة ليست أمراً عادياً، بل هي جزاءً للنبوّة وأجراً للرسالة، ولابد أن يكون الأجر والثمن مساوياً للمثمن، حتى يمكن اعتباره جزاءً له. من جانب ثان فإن الآيات القرآنية تؤّكد أن نفع هذه المحبة ليس شيئاً يعود إلى النّبي(ص)، بل ان حاصل ذلك يعود إلى المؤمنين أنفسهم، أو بعبارة اُخرى يعتبر أمراً معنوياً يؤثر في هداية المسلمين وتكاملهم. وبهذا الترتيب فبالرغم من أنّه لا يستفاد من الآية سوى وجوب المحبة، إلاّ أن وجوب المحبة هذه - بمراعاة القرائن المذكورة - لها علاقة بقضية الإمامة التي تعتبر السند لمقام النبوة والرسالة. ومع هذا التوضيح المختصر سنقوم ببحث الإشكالات أعلاه: 1 - يجب القول أنّ بعض الترسبات الذهنية واتخاذ المواقف المسبقة كانت سبباً لعدم تفسير بعض المفسّرين للآية بمودة أهل البيت، فمثلا فسّر بعضهم (القربى) لمعنى (التقرب من الخالق) في حين أنّها وردت بمعنى الأقرباء في جميع الآيات القرآنية التي تحتوي على هذه الكلمة. أو أنّ البعض فسّر ذلك بمعنى قرابة النّبي مع سائر القبائل العربية، في حين أن هذا التّفسير يخل بنظام الآية بشكل كامل، فأجر الرسالة يطلب من الذين قبلوا تلك الرسالة، فهل توجدحاجة للإهتمام بالقرابة وغض النظر عن الأذى لمن آمن برسالة الرّسول(ص)؟ إضافة إلى ذلك، لماذا نترك الرّوايات المتعددة التي تفسّر الآية بولاية أهل بيت النّبيّ؟ لذا يجب الإعتراف بأنّ هذه المجموعة من المفسّرين لم يفسروا الآية بأذهان خالية من المواقف المسبقة، وإلاّ فإنه لا يوجد موضوع معقد ضمنها. ومن هنا يتوضح أن طلب مثل هذا الأجر لا يتعارض، لا مع منزلة النبوة، ولا يشبه تقاليد اصحاب الدنيا، ويتناسق بشكل كامل مع الآية (104) من سورة يوسف التي تنفي أي نوع من الأجر، لأن أجر مودة أهل البيت في الحقيقة - لا يستفيد منه النّبي، بل إن المسلمين هم الذين يستفيدون منه. 2 - صحيح أن وجوب المحبة العادية لا تكون دليلا أبداً على وجوب الطاعة، لكن عندما تكون هذه المحبة بمستوى الرسالة، عندها سنتيقن بأنّها تشمل وجوب الطاعة، ومن هنا يتّضح أن قول ابن بابويه (الشيخ الصدوق) لا يتعارض مع ما قلناه. 3 - صحيح أن أي طاعة واجبة لا يكون دليلا على منزلة الإمامة والزعامة الكبرى، ولكن يجب الإنتباه إلى أن وجوب الطاعة التي هي أجر للرسالة بما يناسب مقامها لا يمكن أن يكون شيئاً سوى الإمامة. 4 - الإمام - بمعنى القائدـ لا يمكن أن يكون أكثر من واحد في أي عصر، وبناء على ذلك فإنّه لا يوجد أي معنى لإمامة أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) جميعهم، إضافةً لذلك يجب الإستفادة من دور الروايات في هذا المجال لفهم معنى الآية. والملفت للنظر أن الآلوسي نفسه يهتم كثيراً بمودة أهل البيت، ويقول في بضع سطور قبل هذا البحث: "والحق وجوب محبة قرابته عليه الصلاة والسلام من حيث أنّهم قرابته...وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودّة أشدّ... وآثار تلك المودة التعظيم والإحترام والقيام بأداء الحقوق أتمّ قيام وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عدوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك. وأنا أقول قول الشافعي الشافي: يا راكباً قف بالمحصّب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضاً حب آل محمّد فليشهد الثقلان أني رافضي ومع هذا لا أعتقد الخروج عما يعتقده أكابر أهل السنة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ديناً، وأرى حبّهم فرضاً علي مبيناً، فقد أوجبه الشارع وقامت على ذلك البراهين السواطع"(15). 2ـ سفينة النجاة ذكر الفخر الرازي في نهاية هذا البحث ملاحظة، كما ذكرها الآلوسي أيضاً في روح المعاني بعنوان (ملاحظة لطيفة) وذلك نقلا عن الفخر الرازي، حيث يعتقد أن بعض التناقضات ستزول من خلال هذه الملاحظة هي: إن الرّسول الأكرم قال من جانب: "مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجى" ومن جانب آخر قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. فنحن الآن تائهون في بحر التكاليف، وأمواج الشبهات والشهوات تعصف بنا من كلّ جانب، ومن يريد أن يعبر هذا البحر يحتاج إلى شيئين: الأول: السفينة الخالية من أي عيب أو نقص. والثّاني: النجوم المتلألئة التي توضح الطريق. فعندما يركب الإنسان في السفينة وتراقب عيناه النجوم الوضاءة، عندها سيكون هناك أمل بالنجاة. وبالمثل فأي واحد من أبناء السنة عندما يركب في سفينة حب آل محمّد وينظر إلى الأصحاب (النجوم) عندها سيكون هناك أمل بأن يوصله الخالق جل وعلا إلى السعادة والسلامة في الدنيا والآخرة(16). وكلنا نقول أن هذا التشبيه الشاعري ليس دقيقاً بالرغم من جماله، لأن سفينة نوح كانت مركب النجاة في ذلك اليوم، عندما غطت الأمواج العاصفة والمياه كل العالم، وكانت في حركة دائبة، وليست مثل السفن العادية التي لها مرفأ تتجه إليه مقتدية بالنجوم. لقد كان الهدف السفينة نفسها، والنجاة من الغرق، حتى غاظ الماء واستوت على الجودي. إضافة إلى ذلك فإنّ بعض الرّوايات الواردة في كتب أهل السنة تنقل عن الرّسول الأكرم(ص) أنّه قال: "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمتي من الإختلاف في الدين"(17). 3ـ تفسير "ومن يقترف حسنة..." "اقترف" في جملة: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً) مأخوذة في الأصل من (قرف) على وزن (حرف) وتعني قطع القشرة الإضافية من الشجرة، أو من الجروح الحاصلة، حيث تكون أحياناً علامة على شفاء الجرح وتحسنه، هذه الكلمة استخدمت فيما بعد في الإكتساب سواء كان حسناً أو سيئاً. ولكن كما يقول الراغب - فإن هذا المصطلح استخدم في السيئات أكثر ممّا هو في الحسنات (بالرغم من أن الآية التي نبحثها استخدمته في الحسنات). لذلك فإن هناك مثل معروف يقول: الإعتراف يزيل الإقتراف. والطريف في الأمر أنّ بعض التفاسير تنقل عن ابن عباس و(السدّي) أن المقصود من (اقتراف الحسنة) في الآية الشريفة هو مودة آل محمّد(18). وجاء في حديث ذكرناه سابقاً عن الإمام الحسن بن علي(ع): "اقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت". وواضح أنّ المقصود من هذه التفاسير أن معنى اكتساب الحسنة لا يتحدد بمودّة أهل البيت(عليهم السلام)، بل له معنى أوسع وأشمل ولكن بما أن هذه الجملة وردت بعد قضية مودّة ذي القربى، لذا فإن أوضح مصداق لإكتساب الحسنة هو هذه المودّة. 4ـ مكان نزول هذه الآيات هذه السورة (سورة الشورى) من السور المكّية، كما قلنا في البداية، إلاّ أن بعض المفسّرين يعتقدون أن هذه الآيات الأربع (23 - 26) نزلت في المدينة، وسبب النّزول الذي ذكرناه في بداية تفسير هذه الآيات يشهد على هذا المعنى. وأيضاً فإنّ الرّوايات التي تفسر أهل البيت بعلي وفاطمة وابنيهما الإمام الحسن والحسين عليهما السلام تناسب هذا المعنى، لأنّنا نعلم أن زواج علي من سيدة النساء(عليهما السلام) تمّ في المدينة، وولادة الحسن والحسين(عليهما السلام) كانتا في العام الثّالث والرابع الهجري على ما رواه المؤرخون. ﴿الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي يبشرهم به حذف الجار والعائد ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ﴾ كائنة ﴿فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ﴾ يكتسب ﴿حَسَنَةً﴾ روي أنها مودة آل الرسول ﴿نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ بتضعيف ثوابها ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ للسيئات ﴿شَكُورٌ﴾ للحسنات.