التّفسير
هبوب الرياح المنتظمة وحركة السفن (عليهم السلام)
مرّة اُخرى نشاهد أنّ هذه الآيات تقوم بتبيان علائم الخالق وأدلة التوحيد، وتستمر في البحث الذي أشارت إليه الآيات السابقة بهذا الخصوص.
وهنا تذكر موضوعاً يتعامل معه الإنسان كثيراً في حياته المادية، خصوصاً المسافرين عبر البحار وسكان السواحل، حيث تقول الآية: (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام).
"جوار" جمع (جارية) وهي صفة للسفن حيث لم تذكر للإختصار، وعادةً فإن الآية تقصد حركة السفن، ولذا فقد استخدمت هذه الصفة.
ويقال للبنت الشابة "جارية" لأن الشباب والنشاط يجري في عروقها ووجودها.
"أعلام" جمع (علم) على وزن (قلم) وتعني الجبل، إلاّ أنّها في الأصل بمعنى العلامة والأثر الباقي الذي يخبر عن شيء معين، مثل (علم الطريق) و(علم الجيش) وما شابه.
أمّا لماذا سمّي الجبل بالعلم؟ فذلك لأنّه ظاهر من بعيد، وأحياناً كانوا يشعلون النّار فوق قمته حتى تكون مناراً للسائرين، إلاّ أن وجود النّار وعدمها لا يؤثر في التسمية.
وعلى هذا الأساس فإنّ القرآن يعتبر حركة السفن العملاقة في هذه الآية - كما في الآيات المتعددة الأُخرى - بسبب هبوب الرياح المنتظمة، من آيات الخالق.
فليس مهمّاً حركة السفينة الصغيرة أو الزوارق على سطح الماء بسبب هبوب الرياح، المهم حركة السفن والبواخر العملاقة بحمولتها الكبيرة ومسافريها المتعددين عند هبوب الرياح، فتقطع آلاف الأميال وتصل إلى مرساها.
فمن الذي خلق هذه المحيطات بخصوصياتها ومياهها و عمقها؟ من أعطى للخشب الذي تصنع منه السفن خاصية الطفو على سطح الماء؟
ومن يأمر الرياح بالهبوب بشكل منظم على سطح البحار والمحيطات كي يستطيع الانسان أن يصل من نقطة إلى اُخرى بالإستفادة من هذه الرياح؟
نعم، فلو أخذنا بعين الإعتبار الخرائط التي يملكها البّحارة بخصوص حركة الرياح، والمعلومات التي يملكها البشر حول هبوب الرياح من القطبين نحو خط الإستواء ومن خط الإستواء إلى القطبين، وأيضاً هبوب الرياح المتناوبة من السواحل واليابسة نحو البحار وبالعكس، عندها سندرك أن هذا الأمر مخطط وله نظام.
في زماننا، تقوم المحركات الضخمة بتحريك السفن ودفعها إلى الأمام، إلاّ أنّ الرياح تبقى مؤثرة أيضاً في حركة هذه السفن.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ﴾ السفن الجارية ﴿فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ كالجبال.