والكلام في آخر آية موجّه إلى الجميع حيث تقول: (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا).
فلا تتصوروا أنّه سيبقى لكم، لأنّه كالوميض الذي يبرق ثمّ يخبو، وكالشمعة في مهبّ الريح والفقاعة على سطح الماء، ولكن (وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).
فلو استطعتم أن تستبدلوا هذا المتاع الدنيوي الزائل المحدود التافه بمتاع أبدي خالد، فتلك هي التجارة المربحة العديمة النظير.
فالمواهب في هذه الدنيا لا تخلو من المشاكل، حيث توجد الأشواك دائماً إلى جانب الورود، والمحبطات إلى جانب الآمال، في حين أن الأجر الإلهي لا يحتوي على أي إزعاجات، بل هو خير خالص ومتكامل.
ومن جانب آخر فإن هذه المواهب مهما كانت فستزول حتماً، إلاّ أن الجزاء الأُخروي أبدي خالد، عندها هل يقبل العقل أن يستغني الإنسان عن هذه التجارة المربحة، أو يصاب بالغرور والغفلة وتبهره زخارف الدنيا؟
لذا فإننا نقرأ في الآية 38 من سورة التوبة: (ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل).
واساساً، فإنّ "الحياة الدنيا" (بالمعنى المتقدم) تشير إلى الحياة الدنية والحقيرة، وطبيعي أن أي متاع أو وسائل للإستفادة من مثل هذه الحياة ستكون - أيضاًـ مثلها في القيمة.
لذا فقد ورد في حديث عن الرّسول(ص) أنّه قال: "والله ما الدنيا في الآخرة إلاّ مثل أن يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع؟!"(4).
والملفت للنظر أنّه ورد في هذه الآية التأكيد على الإيمان والتوكل، وهذا بسبب أن نيل الأجر الإلهي هو للذين يفوضون أُمورهم في جميع الأعمال ويستسلمون له تعالى إضافة إلى الإيمان، لأن التوكل يعني تفويض الأمور. وتقابل هذه المجموعة أشخاص يجادلون في آيات الله بسبب حب الدنيا والإرتباط بالمتاع الزائل، ويقلبون الحقائق، وبهذا الترتيب فإن آخر آية هي بمثابة تعليل للآية التي قبلها، والتي كانت تتحدث عن الذين يجادلون في آيات الله.
﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ تمتعون به زمن حياتكم ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ﴾ من الثواب ﴿خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ إذ لا ينقص ولا ينقطع ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أمورهم.