سبب النزول
أيّان يومُ القيامة؟!
وفقاً لمّا ورد في بعض الرّوايات (1) فإنّ قريشاً أرسلت عدّة أنفار إلى نجران ليسألوا اليهود الساكنين فيها - إضافة إلى المسيحيين هناك - مسائل ملتوية ثمّ يلقوها على النّبي عند رجوعهم إليه، ظنّاً منهم أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيعجز عن إجابتهم، ومن جملة هذه الأسئلة كان هذا السؤال: متى تقوم الساعة؟! فلما سألوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك السؤال نزلت الآية محل البحث وأفحمتهم! (2)
التّفسير
مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص في النّزول - كما ذكروا - إلاّ أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات المتقدمة أيضاً، لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الإستعداد لمثل ذلك اليوم في الآيات السابقة.
وبالطبع فإنّ موضوعاً كهذا يستدعي السؤال عن موعده وقيامه، ويستثير كثيراً من الناس أن يسألوه: أيّان يوم القيامة؟
لهذا فإنّ القرآن يقول: (يسألونك عن الساعة أيّان مرساها) ؟!
وبالرغم من أنّ "الساعة" تعني زمان نهاية الدنيا، إلاّ أنّها في الغالب - أو دائماً كما ذهب البعض - تأتي بمعنى القيامة في القرآن الكريم، وخاصّة من بعض القرائن التي تكتنف الآية - محل البحث - إذ تؤكّد هذا الموضوع كجملة: متى تقوم الساعة؟
الواردة في شأن نزول الآية:
وكلمة "أيّان" تساوي "متى" وهما للسّؤال عن الزمان، والمرسى مصدر ميمي من الإِرساء، وهما بمعنى واحد، وهو ثبات الشيء أو وقوعه، لذلك يطلق على الحبل وصف "الراسي" فيقال: جبال راسيات، فبناءً على ذلك فإنّ "أيّان مرساها" تعني: في أي وقت تقع القيامة وتكون ثابتةً؟!
ثمّ تضيف الآية مخاطبة النّبي أن يردهم بصراحة قائلة: (قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو).
إلاّ أنّ الآية تذكر علامتين مجملتين، فتقول أوّلا: (ثقلت في السموات والأرض).
أية حادثة يمكن أن تكون أثقل من هذه، إذ تضطرب لهولها جميع الأجرام السماوية "قبيل القيامة" فتخمد الشمس ويُظلم القمر وتندثر النجوم، ويتكون من بقاياها عالم جديد بثوب آخر! (3)
ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على حين غرّة، وبدون مقدمات تدريجية، بل على شكل مفاجيء وانقلاب سريع.
ثمّ تقول الآية مرّة أُخرى: (يسألونك كأنّك حفىّ عنها) (4).
وتضيف الآية مخاطبة النّبي الكريم: (قل إنّما علمها عندالله ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وربّما يسأل - أو يتساءل - بعض الناس: لِمَ كان علم الساعة خاصّاً بالله وذاته المقدسة، ولا يعلم بها حتى الأنبياء؟!
والجواب على ذلك: إن عدم معرفة الناس بوقوع يوم القيامة وزمانها "بضميمة كون القيامة لا تأتي إلاّ بغتة" ومع الإِلتفات إلى هول يوم القيامة وعظمتها، هذا الأمر يبعث على أن يتوقّع الناس وقوع يوم القيامة في أي وقت ويترقبوها باستمرار، ويكونوا على أهبة الإِستعداد والتهيؤ، لكي ينجوا من أهوالها.
فعدم المعرفة هذا له أثر مثبت جلي في تربية النفوس والإِلتفات إلى المسؤولية واتقاء الذنوب.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ القيامة أو وقت موت الخلق ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ متى إرساؤها أي إثباتها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي﴾ لم يطلع عليه أحد ﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا﴾ لا يظهرها في وقتها ﴿إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ عظمت على أهلها لهولها ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً﴾ فجأة فتكون أعظم أو أهول ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ﴾ مستقص في السؤال ﴿عَنْهَا﴾ حتى علمتها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ﴾ كرر تأكيدا ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أن علمها عند الله استأثر به.