إلاّ أن هذا الأمل لا يتحقق مطلقاً، ولا يمكن أن يقع الإِفتراق أو البون بين هؤلاء وبين الشياطين، ولذلك فإنّ الآية التالية تضيف: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) فيجب أن تذوقوا عذاب قرين السوء هذا مع أنواع العذاب الأُخرى إلى الأبد (6).
وبهذا فإنَّ القرآن الكريم يبدل أمل هؤلاء في الإِفتراق عن الشياطين إلى يأس دائم، وكم هو مضن تحمل هذا الجوار؟
وهناك احتمالات اُخرى في تفسير هذه الآية، منها أن الإِنسان قد يشعر بخفة آلامه عند رؤية متألمين آخرين، لأنّ المعروف (أن البلية إذا عمّت طابت) غير أنّه يقال لهؤلاء: لا يوجد هناك مثل تسلية الخاطر هذه، بل ستغوصون في العذاب، وعذاب الشياطين المشتركين معهم لا يبعث على تسلية الخاطر (7).
واحتملوا أيضاً أن المصيبة عندما تقع، تخف وطأتها عندما يجد الإِنسان ثقلها موزعاً بينه وبين أصدقائه، ولكن هذه المسألة لا توجد هناك أيضاً، لأنّ لكل فرد سهماً وافراً من العذاب، من دون أن ينقص من عذاب الآخرين شيء!
لكن بملاحظة أن هذه الآية تكملة للآية السابقة، فإنّ التّفسير الأوّل الذي اخترناه هو الأنسب.
ويترك القرآن هنا هذه الفئة وشأنها، ويوجه الخطاب إلى النّبي (ص) ويتحدث عن الغافلين عمي القلوب الذى كذبوا ارتباطه بالله، وهم من جنس من تقدم الكلام عنهم في الآيات السابقة، فيقول: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين).
وقد ورد نظير هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن الكريم، حيث شبه المعاندين الذين لا أمل في هدايتهم، والغارقين في الذنوب بالعمي والصم، بل وبالأموات أحياناً.
﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ﴾ تمنيكم ﴿إِذ ظَّلَمْتُمْ﴾ إذ ظهر ظلمكم بكفركم في الدنيا بدل من اليوم ﴿أَنَّكُمْ﴾ لأنكم مع قرنائكم ﴿فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.