ثمّ تضيف الآية الأُخرى: (وإنّه لذكر لك ولقومك) فإنّ الهدف من نزوله إيقاظ البشر، وتعريفهم بتكاليفهم: (وسوف تسألون).
وبناء على هذا التّفسير فإنّ الذكر في هذه الآية يعني ذكر الله سبحانه، ومعرفة الواجبات الدينيّة، والإِطلاع على تكاليف البشر، كما ورد هذا المعنى في الآيتين 5 و 36 من هذه السورة، وككثير من آيات القرآن الأُخرى.
ومن المعروف أنّ الذكر أحد أسماء القرآن الكريم، والذكر بمعنى ذكر الله سبحانه، ونقرأ هذه الجملة عدّة مرات في سورة القمر: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) الآيات 17 - 22 - 32 - 40.
إضافة إلى أن جملة: (وسوف تسألون) تشهد بأنّ المراد هو السؤال عن العمل بهذا البرنامج الإِلهي.
لكن - مع كل ذلك - فالعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين اختاروا تفسيراً آخر لهذه الآية لا يتناسب مع ما قلناه، فمن جملة ما قالوا: إن معنى الآية هو: إنّ هذا القرآن هو أساس الشرف والعزة، أو الذكر الحسن والسمعة الطيبة لك ولقومك، وهو يمنح العرب وقريشاً أو أُمتك الشرف، لأنّه نزل بلغتهم، وسيسألون قريباً عن هذه النعمة (1).
صحيح أن القرآن رفع نداء نبيّ الإِسلام (ص) والعرب، بل وكل المسلمين عالياً في أرجاء العالم، وأن اسم النّبي (ص) يذكر بإعظام بكرة وعشياً على المآذن منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، وأن عرب الجاهلية الخاملي الذكر قد عُرفوا في ظل اسمه (ص) وعلا صوت الأُمّة الإِسلامية في ربوع العالم بفضله.
وصحيح أن الذكر قد ورد بهذا المعنى في القرآن المجيد أحياناً، إلاّ أنّ ممّا لا شك فيه أنّ المعنى الأوّل أكثر وروداً في آيات القرآن، وأكثر ملاءمة مع هدف نزول القرآن والآيات مورد البحث.
واعتبر بعض المفسّرين الآية (10) من سورة الأنبياء شاهداً على التّفسير الثاني، وهي: (لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون) (2).
في حين أن الآية تناسب التّفسير الأوّل أيضاً، كما فصلنا ذلك في التّفسير الأمثل، في ذيل هذه الآية (3).
وقد وردت روايات في هذه الآية في المصادر الحديثية، وستأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ﴾ لشرف ﴿لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ عن القيام بحقه.