لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تطرّقت الآية الأخيرة إلى نفي عبادة الأصنام وإبطال عقائد المشركين بدليل آخر، فقالت: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) ؟ إشارة إلى أنّ كل أنبياء الله قد دعوا إلى التوحيد، ووقفوا جميعاً ضد الوثنية بحزم، وعلى هذا فإن نبيّ الإِسلام (ص) في مخالفته الأصنام لم يقم بعمل لم يسبقه به أحد، بل أحيا بفعله سنة الأنبياء الأبدية، وإنّما كان عبدة الأصنام والمشركون هم الذين يسيرون على خلاف مذهب الأنبياء. وطبقاً لهذا التّفسير فإنّ السائل وإن كان نبيّ الإِسلام (ص)، إلاّ أنّ المراد كل الأُمّة، بل وحتى مخالفيه. والمسؤولون هم أتباع الأنبياء السابقين، أتباعهم المخلصون، بل ومطلق أتباعهم، إذ يحصل الخبر المتواتر من مجموع كلامهم، وهو يبيّن دين الأنبياء التوحيدي. وينبغي التذكير بأنّه حتى المنحرفين عن أصل التوحيد - كالمسيحيين الذين يؤمنون بالتثليث اليوم - يتحدثون عن التوحيد أيضاً، ويقولون: إنّ تثليثنا لا ينافي التوحيد الذي هو دين جميع الأنبياء! وبهذا فإنّ الرجوع إلى هذه الأُمم كاف في إبطال دعوى المشركين. إلاّ أنّ بعض المفسّرين احتملوا احتمالاً آخر في تفسير هذه الآية مستوحى من بعض الروايات (4)، وهو أن السائل هو النّبي (ص) نفسه وأن المسؤولين هم الأنبياء السابقون. ثمّ أضافوا: إنّ هذا الأمر قد تمّ في ليلة المعراج، لأنّ النّبي (ص) قد التقى بأرواح الأنبياء الماضين، ومن أجل تأكيد أمر التوحيد طرح هذا السؤال وسمع الجواب. وأضاف البعض: إنّ مثل هذا اللقاء كان ممكناً بالنسبة إلى النّبي (ص) حتى في غير ليلة المعراج، لأنّ المسافات الزمانية والمكانية ليست مانعاً ولا عائقاً في مسألة اتصال النّبي (ص) بأرواح الأنبياء، وكان بإمكان ذلك العظيم أن يتصل بهم في أية لحظة، وفي أي مكان. طبعاً، ليس على هذه التفاسير أي إشكال عقلي، لكن لما كان الهدف من الآية نفي مذهب المشركين، لاطمأنة النّبي (ص) - إذ أنه (ص) كان مستغرقاً في مسألة التوحيد، ومشمئزاً من الشرك إلى الحدّ الذي لا يحتاج معه إلى سؤال، ولم يكن التقاء النّبي (ص) الروحي بأرواح الأنبياء الماضين استدلالاً مقنعاً أمام المشركين - اذن فالتّفسير الأوّل يبدوا أكثر ملاءمة، والتّفسير الثّاني قد يكون إشارة إلى باطن الآية لا ظاهرها، لأنّ لآيات القرآن ظهراً وبطناً. وهناك أمر يستحق الإِنتباه، وهو أنّ اسم (الرحمن) قد اختير في هذه الآية من بين أسماء الله سبحانه، وهو إشارة إلى أنّه كيف يمكن أن يترك هؤلاء الله الذي وسعت رحمته العامّة كل شيء، ويتوجهون إلى أصنام لا تضر ولا تنفع؟! ملاحظة من هم قوم النّبي (ص) ؟ توجد ثلاثة احتمالات في المراد من "القوم" في آية: (وإنّه لذكر لك ولقومك). الأوّل: أنّهم كل الأُمة الإِسلامية. والثّاني: أنّهم العرب. والثّالث: أنّهم قبيلة قريش. ولما كان القوم في منطق القرآن الكريم قد أطلقت في موارد كثيرة على أُمم الأنبياء، أو الأقوام المعاصرين لهم، فالظاهر أنّه هو المعنى المراد في الآية أيضاً. وبناءً على هذا، فإنّ القرآن أساس الذكر والوعي واليقظة لكل الأُمة الإِسلامية حسب التّفسير الأوّل، وأساس الإِفتخار والشرف لهم جميعاً حسب التّفسير الثّاني. إلاّ أننا نطالع في الروايات العديدة الواردة عن طرق أهل البيت (ع) أنّ المراد من القوم في الآية هم أهل بيت النّبي وعترته (5). لكن لا يبعد أن تكون هذه الروايات من قبيل بيان المصاديق الواضحة، سواء كان معنى القوم كل الأُمة الإِسلامية، أو أمة العرب، أو أهل بيت نبيّ الإِسلام (ص)، ففي كل الأحوال يعتبر أئمّة أهل البيت (ع) من أوضح مصاديقها. ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا﴾ وقد جمعوا له ليلة الإسراء أو اسأل أممهم ﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً﴾ هل حكمنا بعبادة غير الله في ملة من مللهم، والغرض أن بيان التوحيد دين أطبق عليه الرسل ولم يبتدعه فكيف يكذب ويعادي لأجله.