ثمّ تشبث فرعون بذريعتين أخريين، فقال: (فلولا أُلقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (4) فلو أنّ الله قد جعله رسوله فلماذا لم يعطه أساور من ذهب، ومعاونين له كباقي الرسل؟
يقولون: إنّ الفراعنة كانوا يعتقدون أنّ الرؤساء يجب أن يزينوا أنفسهم بالأساور والقلائد الذهبية، ولذلك فإنّهم يتعجبون من موسى إذ لم يكن معه مثل آلات الزينة هذه، بل كان قد لبس بدل ذلك ملابس الرعي الصوفية، وهذا هو حال المجتمع الذي يكون معيار تقييم الشخصية في نظره الذهب والفضة وأدوات الزينة.
أمّا أنبياء الله فإنّهم باطراحهم هذه المسائل - بالذات - جانباً كانوا يريدون أن يبطلوا هذه المقاييس الكاذبة، وأن يزرعوا محلها القيم الإِنسانية الأصيلة - أي العلم والتقوى والطهارة - لأنّ نظام القيم إذا لم يُصلح في مجتمع فسوف لن يرى ذلك المجتمع وجه السعادة أبداً.
على أية حال، فإنّ ذريعة فرعون هذه تشبه الذريعة التي نقلت عن مشركي مكّة قبل عدّة آيات حيث كانوا يقولون: لِمَ لَم ينزل القرآن على عظيم من مكّة والطائف؟!
والحجّة الثانية هي تلك الحجّة المعروفة التي كانت تطرحها كثير من الأُمم الضالة العاصية في مواجهة الأنبياء، فكانوا يقولون أحياناً: لماذا أرسل الله بشراً وليس ملكاً؟ وأحياناً أُخرى: إذا كان إنساناً فلماذا لم يأت معه ملك؟
في حين أنّ الرسل المبعوثين إلى البشر يجب أن يكونوا من جنسهم ليلمسوا حاجاتهم، ويحسوا بمشاكلهم ومسائلهم ويجيبوهم، وليقدروا على أن يكونوا من الناحية العملية قدوة وأسوة لهم (5).
ويلزم أن نذكر هنا أن "الأسورة" جمع سوار، سواء كان من الذهب أم من الفضة.
﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾ قيل كانوا إذا سوروا واحدا سوروه وطوقوه بالذهب ﴿أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ به أو يقترن بعضهم ببعض يعضدونه ويصدقونه.