التّفسير
ماذا تنتظرون غير عذاب الآخرة؟
كان الكلام في الآيات السابقة يدور حول عبدة الأوثان العنودين، وكذلك حول المنحرفين والمشركين في أُمّة عيسى (ع)، والآيات مورد البحث تجسد عاقبة أمرهم، يقول تعالى: (هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) ؟
لقد طرح هذا السؤال بصورة الإِستفهام الإِنكاري، وهو في الحقيقة بيان لواقع حال أمثال هؤلاء الأفراد، كما نقول في مقام ذم شخص لا يصغي إلى نصيحة ناصح، ويهيء عوامل فنائه بيده: إنّه بانتظار حتفه فقط!
والمراد من "الساعة" في هذه الآية - ككثير من آيات القرآن الأُخرى - هو يوم القيامة، لأنّ الحوادث تقع سريعة حتى كأنّها تحدث في ساعة واحدة.
وجاءت هذه الكلمة - أيضاً - بمعنى لحظة انتهاء الدنيا، ولما لم يكن بين هذين المعنيين كبير فرق، فمن الممكن أن يكون هذا التعبير شاملاً لكلا المعنيين.
وعلى أية حال، فقد وصف قيام الساعة، الذي يبدأ بانتهاء الدنيا المفاجىء، بوصفين في الآية أعلاه: الأوّل: كونه بغتة، والآخر: عدم علم عامة الناس بتأريخ وقوعها وحدوثها.
من الممكن أن يحدث حدث فجأة، ولكنّا نتوقع حدوثه من قبل، ونكون على استعداد لمواجهة المشاكل التي تنجم عنه، إلاّ أن سوء الحظ والتعاسة في أن تقع فاجعة قاسية وصعبة جدّاً، بصورة مفاجئة ونحن غافلون عنها تماماً.
هكذا بالضبط حال المجرمين، فهم يؤخذون وهم في غفلة تامة، بحيث تصور الروايات الواردة عن نبيّ الإِسلام الأكرم (ص) ذلك فتقول: "تقوم الساعة والرجلان يحلبان النعجة، والرجلان يطويان الثوب، ثمّ قرأ (ص): (هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) " (1).
وأي شيء آلم من أن يكون الإِنسان غافلاً أمام مثل هذه الحادثة التي ليس فيها أي طريق أو منفذ للرجوع والخلاص، ويغرق في أمواجها من دون أن يكون مُعِدّاً لمستلزمات النجاة؟
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظر كفار مكة ﴿إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بها لغفلتهم عنها.