ثمّ تطرقت الآية إلى بيان جانب من مذلة هؤلاء ومسكنتهم، فقالت، (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) فمع أن كل امرىء يهرب من الموت ويريد استمرار الحياة وبقاءها، إلاّ أنّه عندما تتوالى عليه المصائب أحياناً ويضيق عليه الخناق يتمنى على الله الموت، وإذا كانت هذه الأمنية قد تحدث أحياناً لبعض الناس في الدنيا، فانّها تعمّ جميع المجرمين هناك، فكلهم يتمنى الموت.
ولكن حيث لا فائدة من ذلك، فإنّ مالك النّار وخازنها يجيبهم: (قال إنكم ماكثون) (2).
والعجيب أنّ خازن النّار يجيبهم بعد ألف سنة - برأي بعض المفسّرين - وبكل احتقار وعدم اهتمام، فما أشد ايلام هذا الإِحتقار (3).
قد يقال: كيف يطلب هؤلاء مثل هذا الطلب مع يقينهم أن لا موت هناك؟ غير أن مثل هذا الطلب طبيعي من إنسان أحاطت به المصائب والآلام، وقطع أمله من كل شيء.
أجل، إن هؤلاء عندما يرون كل سبل النجاة مغلقة في وجوههم، سيطلقون هذه الصرخة من أعماق قلوبهم، ولكن حق القول عليهم بالعذاب، فلا فائدة من صراخهم، ولا صريخ لهم.
أمّا لماذا لا يطلب هؤلاء الموت من الله مباشرة، بل يقولون لمالك: (ليقض علينا ربّك)؟فلأنّهم في ذلك اليوم محجوبون عن ربّهم، كما نقرأ ذلك في الآية (15) من سورة المطففين: (كلا إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون) ولذلك يطلبون طلبتهم هذه من ملك العذاب.
أو بسبب أن مالكاً ملك مقرب عند الله سبحانه.
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ ليمتنا ﴿قَالَ﴾ بعد مائة عام أو ألف ﴿إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾ في العذاب بلا موت قال تعالى بعد جواب مالك.