وتتحدث الآية الثانية في الصفتين الرابعة والخامسة، بركات وجوده الدائمة الوفيرة، وعن امتلاكه السماء والأرض وما بينهما، فتقول: (تبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما).
"تبارك" من مادة بركة، وتعني امتلاك النعمة الوفيرة، أو الثبات والبقاء، أو كليهما، وكلاهما يصدقان في شأن الله تعالى، فإنّ وجوده باق وخالد، وهو مصدر النعم الكثيرة.
وليس للخير الكثير كمال المعنى إذا لم يكن ثابتاً وباقياً، فإنّ الخيرات مهما كانت كثيرة، فهي تعد قليلة إذا كانت مؤقتة وسريعة الزوال.
وتضيف في الصفتين السّادسة والسّابعة: (وعنده علم الساعة وإليه ترجعون) وعلى هذا فإذا أردتم الخير والبركة فاطلبوها منه لا من الأصنام، فإن مصائركم إليه يوم القيامة، وهو المرجع الوحيد لكم، وبيده كل شيء، وليس للأصنام والآلهة أي دور في هذه الأُمور.
ملاحظات
1 - لقد تكررت (السماوات والأرض) في هذه الآيات ثلاث مرات: مرّة لبيان كون الله ربّاً ومدبراً لهما، وأُخرى في كونه إلهاً فيهما، وثالثة في كونه مالكاً وحاكماً، وهذه الأُمور الثلاثة مترابطة ببعضها، وهي في الحقيقة علة ومعلول لبعضها البعض، فهو مالك، ولذلك فهو ربّ، وهو في النتيجة إله. ووصفه بالحكيم والعليم إكمال لهذه المعاني.
2 - يستفاد من بعض الرّوايات الإِسلامية أن تعبير الآيات المذكورة بـ (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) كان قد أصبح وسيلة لبعض الزنادقة والمشركين لإثبات مدعاهم، وكانوا يفسّرون الآية - حسب سفسطتهم - بأن في السماء إلهاً، وفي الأرض إلهاً آخر غيره، في حين أنّ الآية تقول بعكس ذلك، فهي تقول: إنّه الإِله الذي يعبد في السماء وفي الأرض، أي إنّه تعالى هو المعبود في كل مكان.
ومع ذلك، فإنّ الزنادقة عندما كانوا يطرحون هذا المطلب كسؤال أمام الأئمّة المعصومين، فإنّهم (ع) كانوا يجيبونهم على طريقة النقض والحل:
فمن جملة ذلك ما ورد في الكافي عن هشام بن الحكم، أنّه قال: قال أبو شاكر الديصاني (2): إن في القرآن آية هي قولنا، قلت: ما هي؟ قال: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) فلم أدر بما أجيبه.
فحججت فخبرت أبا عبدالله (ع)، فقال: "هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول: فلان، فقل له: ما اسمك في البصرة؟ فإنّه يقول: فلان، فقل: كذلك الله ربّنا، في السماء إله، وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كل مكان إله".
قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال: هذه نقلت من الحجاز (3).
وذكر المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي لتكرار لفظ الإِله، في هذه الآية علتين:
إحداهما: التأكيد على كون الله تعالى إلهاً في كل مكان.
والأُخرى: أنه إشارة إلى أن ملائكة السماء تعبده، والبشر في الأرض يعبدونه أيضاً، وعلى هذا فإنه إله الملائكة وبني آدم وكل الموجودات في السماوات والأرض.
﴿وَتَبَارَكَ﴾ تعظم ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ القيامة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ التفات إلى الخطاب للتهديد.