التّفسير
من يملك الشفاعة؟
لا زال الحديث في هذه الآيات - وهي آخر آيات سورة الزخرف - حول إبطال عقيدة الشرك وتفنيدها، وعاقبة المشركين المُرّة، وهي توضح بطلان عقيدتهم بدلائل أُخرى.
تقول الآية الأولى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) فلا تقام الشفاعة عند الله إلاّ بإذنه، ولم يأذن الله الحكيم بها لهذه الأحجار والأخشاب التي لا قيمة لها، والفاقدة للعقل والشعور والإِدراك مطلقاً.
لكن لما كانت الملائكة وأمثالها من بين آلهة هؤلاء، فقد استثنوا في ذيل الآية، فقالت: (إلاّ من شهد بالحق) وهم الذين أسلموا لوحدانية الله سبحانه في جميع المراحل، وأذعنوا لها.
نعم، هؤلاء هم الذين يشفعون بإذن الله تعالى.
لكن ليس الأمر كما تتوهمون أنّهم يشفعون لأي كان، حتى وإن كان وثنياً ومشركاً ومنحرفاً عن طريق التوحيد وضالاً عن الصراط المستقيم، بل (وهم يعلمون) جيداً لمن يشفعون.
وعلى هذا فإنّهم يقطعون الأمل من شفاعة الملائكة لسببين:
الأوّل: أنّها كانت بنفسها تقرّ بوحدانية الله وتشهد بها، ولذلك حصلت على إذن الشفاعة.
والآخر: أنهم يعرفون جيداً من له أهلية الشفاعة ومستحقها (1).
واعتبر البعض جملة (وهم يعلمون) مكملة لجملة (إلاّ من شهد بالحق) وعلى هذا يصبح معنى الآية: إن الذين يشهدون بالتوحيد ويعلمون حقيقته هم الذين يملكون حق الشفاعة فقط.
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.
وعلى أية حال، فإن هذه الآية تبيّن الشرط الأساس الذي ينبغي توفره في الشفعاء عند الله تعالى، وهم الشاهدون بالحق، والعالمون به على الدوام والمحيطون بروح التوحيد جيداً، وهم كذلك عالمون بأحوال المشفوع لهم وأوضاعهم.
﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ﴾ لهم عند الله كما زعموا ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ بالتوحيد ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ما شهدوا به وهم الملائكة أو عزير وعيسى.