لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ارجعني ياربّ (لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت). ولكن قانون الخلق العادل لا يسمح بمثل هذه العودة، لا يسمح بعودة الصالح ولا الطالح، فيأتيه النداء الدامغ (كلاّ). (إنّها كلمة هو قائلها). كلام لم يصدر من أعماقه. لم يصدر بإرادته، إنّه يشبه كلام امرىء مسيء يردّد إذا أحسّ بالعقاب، أو كلام قاتل حين إعدامه. ومتى هدأت العاصفة بوجههم عادوا لسابق أعمالهم القبيحة. وهذا يشبه ما ورد في الآية الثامنة والعشرين من سورة الأنعام (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه). وتشير الآية في نهايتها إلى عالم البرزخ الغامض بعبارة قصيرة ذات دلالة كبيرة (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). بحوث 1 - من هو المخاطب في قوله تعالى: (ربِّ ارجعون)؟ بملاحظة كلمة "ربّ" التي هي مخفّف "ربّي" بمعنى إلهي، تشير بداية الجملة إلى أنّ المخاطب هو الله سبحانه وتعالى، إلاّ أنّ مجيء "ارجعون" بصيغة الجمع يمنع أن يكون المخاطب هو الله عزّوجلّ. وهذا التعبيران في الجملة السابقة يثيران سؤالا وتساؤلا. يرى عدد من المفسّرين أنّ المخاطب هو الله، وصيغة الجمع هنا للإحترام والتعظيم. ولكن إستعمال صيغة الجمع في مخاطبة المفرد ليس مألوفاً في العربية، خاصّةً فيما مضى، ولا نظير له في القرآن المجيد، وبهذا يتّضح ضعف هذا التّفسير(2). وقال عدد آخر من المفسّرين: إنّ المخاطب هم الملائكة المكلّفون بقبض الأرواح. وكلمة "ربّ" نوع من الإستعانة بالله، وهذا مألوف في حياتنا اليوميّة حيث يستغيث المرء بالله في الشدائد، ثمّ يستنجد الناس ويصرخ: "ياربّ! ياربّ! انقذوني، عجّلوا بمساعدتي" ويبدو هذا التّفسير أقرب إلى الصواب. 2 - تفسير عبارة (فيما تركت) قرأنا في الآيات السابقة أنّ الكفّار يستنجدون بالله ليرجعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيما تركوا من الأعمال. ويرى البعض في قوله تعالى: (فيما تركت) إشارة إلى أموال تركوها، لإستعمال تعبير "تركة الميت" بصورة إعتيادية. وروي حديث عن الإمام الصادق (ع) يؤكّد هذا المعنى إذ يقول: "من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قوله تعالى: (ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت)(3). بينما يرى آخرون أنّ لها معنى أوسع، هو إشارة إلى جميع الأعمال الصالحة التي تركها الإنسان. فيكون المعنى: رباه! أرجعني لاُعوّض ما تركته من عمل صالح. ولا يناقض الحديث السابق مع هذا التّفسير الشامل وهو مصداق واضح له، علماً بأنّ هؤلاء الأشخاص يندمون على ما فاتهم من فرص، لهذا يرغبون في الرجوع إلى الحياة ليستفيدوا منها في العمل الصالح. ويبدو أنّ التّفسير الثّاني أقرب إلى الصواب، وكلمة "لعلّي" الواردة في جملة (لعلّي أعمل صالحاً) يمكن أن تكون علامة على عدم إطمئنان هؤلاء المنحرفين من مستقبلهم، وأنّ الندامة نتيجة لظروف خاصّة، تظهر حين موتهم، ولو عادوا إلى الدنيا لواصلوا أعمالهم ذاتها. وهذا هو عين الحقيقة. 3 - ما الذي تنفيه "كلاّ"؟ تأتي "كلاّ" في العربية بمعنى الحيلولة، وإبطال أثر أقوال المخاطب. وتقابل بالضبط كلمة "أي" التي تستخدم لتصديق الكلام. وفي الجواب عن السؤال الوارد آنفاً، قال البعض: إنّ "كلاّ" تنفي طلب الكفّار الرجوع إلى الحياة الدنيا، أي إنّ طريق العودة مغلق، ولا يمكنكم العودة أبداً. وقال البعض الآخر: إنّ هذه الكلمة جاءت لنفي إدّعاءاتهم القائلة: لو عدنا إلى الدنيا لعوّضنا ما فاتنا من أعمال صالحة، فيقال لهم: ما هذا إلاّ إدّعاء باطل، ولو عدتم لواصلتم العمل بنفس نهجكم السابق. ولا ضير في أن تكون هذه الكلمة - في الوقت ذاته - إشارة إلى نفي إثنين من المعاني. كما يجب ملاحظة أنّ هذا الطلب - رغم وروده في الآية محل البحث من قبل المشركين فقط - ليس خاصّاً بهم، بل هو طلب جميع المذنبين والظالمين والمنحرفين، إذ يندمون على ما فاتهم لحظة موتهم، حين يرون مصيرهم الأليم ماثلا لأعينهم، فيرجون الله ليعيدهم إلى الحياة الدنيا، إلاّ أنّ الله يزجرهم بقوله: (كلاّ). 4 - ما هو عالم البرزخ؟ وأين هو؟ وما هو الدليل لإثبات وجود هذا العالم بين الدنيا والآخرة؟ وهل يكون البرزخ للجميع، أم لمجموعة معيّنة؟ وأخيراً ماذا سيكون وضع المؤمنين والصالحين والكفّار والمسيئين فيه؟ هذه أسئلة أشارت الآيات والأحاديث السابقة إليها، لهذا نجيب عنها حسبما يسمح به وضع هذا الكتاب. تعني كلمة "البرزخ" في الأصل الشيء الذي يقع حائلا بين شيئين، ثمّ استعملت لكلّ ما يقع بين أمرين. ولهذا أتت كلمة البرزخ للدلالة على عالم يقع بين عالم الدنيا والآخرة. والدليل على وجود عالم البرزخ، أو عالم القبر، أو عالم الأرواح، نجده في الأدلّة النقلية، فقد دلّ عليه صريح آيات القرآن أحياناً وظاهرها أحياناً أُخرى. والآية موضع البحث (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) ظاهرة في وجود عالم البرزخ. رغم أنّ البعث رغب في القول بأنّ كلمة "البرزخ" في هذه الآية تعني العائق والمانع من العودة إلى الدنيا، غير أنّ هذا المعنى يبدو غريباً، لأنّ عبارة (إلى يوم يبعثون) دليل على وقوع عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة، وليس بين الإنسان والدنيا. ومن الآيات التي تصرّح بوجود مثل هذا العالم، الآيات الخاصّة بحياة الشهداء، مثل (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون) الآية (169) من سورة آل عمران، والخطاب فيها موجّه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). أمّا الآية (154) من سورة البقرة فإنّها خطاب لجميع المؤمنين: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون). وعالم "البرزخ" ليس للمؤمنين ذوي الدرجة الرفيعة كالشهداء فقط، بل للكفّار الطغاة كفرعون وأعوانه أيضاً، وهذا ما صرّحت به الآية (46) من سورة المؤمن (النّار يعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشدّ العذاب). وذكرت آيات أُخرى عالم البرزخ ولكن لا تصل إلى صراحة وظهور الآيات السابقة. وما يجب الإنتباه إليه في موضع البرزخ هو أنّ الآيات - باستثناء الآية التي نحن بصددها والتي ذكرته بشكل عامّ - إستعرضت البرزخ بشكل خاصّ، كما في ذكره عن الشهداء أو آل فرعون. إلاّ أنّ الواضح أنّه لا خصوصية لآل فرعون لأنّ في العالم الكثير من أمثالهم، ولا للشهداء، لأنّ القرآن الكريم اعتبر النبيّين والصدّيقين والصالحين مع الشهداء، كما جاء في الآية (69) من سورة النساء (فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين). ولنا حديث عن كون البرزخ لعامّة الناس أو لفئة منهم، سنورده في ختام هذا البحث إن شاء الله. أمّا الرّوايات: فهناك أحاديث كثيرة في كتب الفريقين الشيعة والسنّة تتحدّث بعبارات مختلفة عن عالم البرزخ، وعالم القبر، وعالم الأرواح. أي تتحدّث عن العالم الذي يفصل بين الدنيا والآخرة، ومنها: 1 - جاء في حديث معروف ذكر في الكلمات القصار في نهج البلاغة أنّ عليّاً(ع) حينما وصل إلى جبانة الكوفة عند عودته من حرب صفين، توجّه إلى القبور ونادى الأموات قائلا: "ياأهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة! ياأهل التربة! ياأهل القربة! ياأهل الوحدة! ياأهل الوحشة! أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق! أمّا الدور فقد سكنت، وأمّا الأزواج فقد نكحت، وأمّا الأموال فقد قسّمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم"؟ ثمّ إلتفت إلى أصحابه فقال: "أما لو اُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى"(4). وبهذا يتّضح عدم إمكان حمل هذه العبارات على المجاز والكناية، بل هي تخبرنا عن حقيقة وجود حياة البرزخ بعد الموت، وتمكّن الموتى - لو سمح لهم - من الحديث إلينا. 2 - ونقرأ حديثاً آخر رواه الأصبغ بن نباتة يذكر فيه أمير المؤمنين علي (ع)أنّه خرج من الكوفة، ومرّ حتّى أتى الغريين فجازه، فلحقناه وهو مستلق على الأرض بجسده، ليس تحته ثوب. فقال له: قنبر: ياأمير المؤمنين ألا أبسط ثوبي تحتك؟ قال: لا، هل هي إلاّ تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه؟ قال الأصبغ: فقلت: ياأمير المؤمنين، تربة مؤمن قد عرفناه كانت أو تكون. فما مزاحمته في مجلسه؟ فقال: "يابن نباتة، لو كشف لكم لرأيتم (في المختصر المطبوع ص4: لألفيتم) أرواح في هذا الظُهر حلقاً يتزاورون ويتحدّثون، إنّ في هذا الظَهر روح كلّ مؤمن، وبوادي برهوت نسمة كلّ كافر"(5). 3 - وجاء في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسين (ع) قوله: "إنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار"(6). 4 - وروي عن الإمام الصادق (ع): "البرزخ القبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ... والله ما نخاف عليكم إلاّ البرزخ"(7). 5 - وجاء في كتاب الكافي أنّه سئل الإمام: وما البرزخ؟ فأجابه: "القبر من حين موته إلى يوم القيامة"(8). 6 - وروى الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاّد الحنّاط، عن أبي عبدالله (ع)، قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش، فقال: "لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم"(9). هذا الحديث يشير إلى مصير روح الإنسان، فهي من جهة تشبه هذا الجسم المادّي، إلاّ أنّه يمتلك نوعاً من التجرّد البرزخي. 7 - كما نقرأ في حديث آخر جاء في كتاب الكافي عن الإمام الصادق (ع): سألته عن أرواح المؤمنين فأجاب: "في حجرات في الجنّة، يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها. ويقولون ربّنا أقم لنا الساعة وأنجز لنا ما وعدتنا"(10). 8 - روى صاحب الكافي عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع)، قال: "إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة تعارف، فإذا تساءل قدّمت الروح على الأرواح تقول: دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم، ثمّ يسألونها: ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: تركته حيّاً ارتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى"(11). تقصد الأحاديث أعلاه بالجنّة والنّار البرزخيتين، وليس العائدتين ليوم القيامة، والفرق بينهما كبير. والأحاديث في هذا المجال عديدة، وقد رتّبت في أبواب مختلفة نشير إلى قسم منها: أحاديث تتحدّث عن سؤال القبر وعذابه. وأحاديث تتناول إتّصال الأرواح مع أُسرها ومشاهدة وضعهم. أحاديث تتحدّث عن ليلة المعراج وإتّصال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أرواح الأنبياء والمرسلين. أحاديث تنصّ على إبتلاء الإنسان بنتائج أعماله سواء كانت طيّبة أمّ سيّئة. بعد موته ... وأمثالها(12). البرزخ والإتّصال بعالم الأرواح رغم أنّ الكثير ممّن يدّعون بأنّهم على إتّصال بعالم الأرواح كاذبون، أو أنّهم يعانون نوعاً من الوهم والخيال، لكن ثبت أنّ الإتّصال بعالم الأرواح ممكن، وقد تحقّق فعلا لبعض العلماء، حتّى أنّهم توصّلوا إلى بعض الحقائق عن طريق الأرواح. وهذه القضيّة بذاتها دليل واضح على وجود عالم البرزخ وحقيقته، فهي تبيّن أنّ بعد عالم الدنيا والموت وقبل القيامة في الآخرة، هناك عالم آخر قائم بذاته(13). كما أنّ الأدلّة العقليّة لإثبات تجرّد الروح وبقائها بعد فناء الجسم بنفسها دليل آخر على وجود عالم البرزخ (فتأمّلوا جيداً). صورة عن عالم البرزخ: يتّفق علماء الإسلام على أصل وجود البرزخ وما يقع فيه من نعمة ونقمة مع بعض إختلافات جزئيّة بين هؤلاء العلماء، ويتّفق علماء السنّة والشيعة على وجود البرزخ باستثناء عدد قليل غير ملحوظ. والدليل على الإتّفاق بين هؤلاء العلماء واضح، وهو تصريح الآيات القرآنية بوجود البرزخ وما فيه من نعمة وعذاب، كما أسلفنا. ومنها ما صرّح بذلك في الحديث عن الشهداء: (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون)(14) وليس فقط هذه المجموعة من الصالحين قد أنعم الله عليها، بل إنّ مجموعة من أسوأ الطغاة والمجرمين يعذّبهم الله، كما أنّ تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية 46 من سورة غافر (المؤمن). والأحاديث متواترة بهذا الصدد، فلا نقاش في وجود عالم البرزخ أساساً، والمهمّ أن نعرف حياة البرزخ وشكلها، فقد ذكرت له صورة مختلفة، أوضحها أنّ أرواح البشر بعد ترك هذه الدنيا، تدخل أجساماً لطيفة سامية عن آثار هذه المادّة القذرة، إلاّ أنّها على شكل أجسامنا، ويقال لكلّ منها (الجسم المثالي) وهو ليس مجرداً تمام التجريد، ولا هو ماديّاً محضاً. إنّه يمتاز بتجرّد برزخي معيّن، وشبّهه بعضهم بما عليه الروح في أثناء ما يراه النائم، إذ تسرّ الروح رؤية النعم، وتعذّبها مشاهدة المناظر المؤلمة، ولذلك أثّر في جسمنا هذا، إذ نبكي عند رؤية حلم مزعج، ونفزع مذعورين من هول ما نرى، أو نضحك من أعماقنا من طرافة ما نحلم به في نومنا. ويرى جماعة أنّ الروح تقوم بنشاط في الجسم المثالي، بل يرون أكثر من ذلك، ألا وهو قدرة الأرواح القويّة على إكتساب حالة التجرّد البرزخي في يقظة الإنسان أيضاً. أي تنفصل الروح عن الجسم. وتتحرّك في الجسم المثالي برغبتها أو بالتنويم المغناطيسي، تتحرّك في العالم لتطّلع على بعض القضايا(15). بل إنّ البعض قال بوجود الجسم المثالي في جسم كلّ إنسان، وأنّه ينفصل عنه في بداية الحياة البرزخية، ويمكن أن يقع ذلك كما قلنا في هذه الدنيا. وإذا رفضنا جميع هذه الصفات للجسم المثالي، فلا يمكن نفي الموضوع أصلا، بسبب إشارة أحاديث عديدة إليه، ولإنعدام المانع العقلي منه. وبهذا يتّضح جواب الإعتراض القائل بأنّ الإعتقاد بالجسم المثالي يستوجب الإعتقاد بالتناسخ، الذي يعني إنتقال الروح من جسم إلى آخر. لقد ردّ الشيخ البهائي هذا الإحتجاج بوضوح، فقال: إنّ التناسخ الذي يرى بطلانه جميع المسلمين، هو عودة الروح بعد تفسّخ الجسم الذي كانت فيه إلى جسم آخر في هذه الدنيا. أمّا إختصاص الروح بالجسم المثالي في عالم البرزخ حتّى يوم القيامة، ثمّ عودتها إلى الجسم الأوّل بأمر من الله تعالى لا علاقة له بالتناسخ، والسبب أنّنا ننفي التناسخ بشدّة ونكفّر الذي يعتقد به، هو قولهم بأزليّة الأرواح وإنتقالها الدائمي من جسم إلى آخر، وإنكارهم المعاد الجسماني في عالم الآخرة(16). والقول بوجود الجسم المثالي في باطن الجسم المادّي يُجلي الجواب عن هذا الإشكال، إذ لا تنتقل الروح من جسم إلى آخر، بل تترك بعض قوالبها، وتستمرّ في قالب آخر في حياتها البرزخية. والسؤال الآخر هو أنّه يُفهم من آيات قرآنية أن لا حياة برزخية لمجموعة من الناس، كما جاء في الآية الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين من سورة الروم! (يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كان يؤفكون، وقال الذين اُوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لا تعلمون). وجواب هذا الإعتراض، جاء في أحاديث فحواها أنّ الناس ثلاث فئات: فئة مؤمنة مخلصة في إيمانها، وفئة مخلصة في كفرها، وفئة متوسطة ومستضعفة. وإنّ عالم البرزخ خاص بالفئتين الأُولى والثّانية، أمّا الثّالثة فتعبر عالم البرزخ في حالة من عدم الإطلاع (لإطلاع أوسع على هذه الأحاديث يراجع المجلّد السادس من بحار الأنوار، بحث أحوال البرزخ والقبر). ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ من الإيمان أي لعلي آتي به وأعمل صالحا فيه ﴿كَلَّا﴾ ردع ﴿إِنَّهَا﴾ أي مسألة الرجعة ﴿كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ وحده لا يجاب إليها ﴿وَمِن وَرَائِهِم﴾ أمامهم ﴿بَرْزَخٌ﴾ حاجز بينهم وبين الرجوع وهو مدة ما بين الموت ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.