ولما كان المستكبرون وعبيد الدنيا لا يدعون أي تهمة وافتراء، إلاّ وألصقوهما بمن يرونه مخالفاً لمنافعهم ومصالحهم اللامشروعة بل لا يتورعون حتى عن قتله وإعدامه، لذا فإنّ موسى (ع) يضيف للحد من مسلكهم هذا (وإنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون).
إنّ هذا التعبير لعله إشارة إلى أنّي لا أخاف تهديداتكم، وسأصمد حتى آخر نفس، والله حافظي وحارسي، وكانت مثل هذه التعبيرات تمنح القادة الإِلهيين حزماً أكبر في دعوتهم، وتزيد في انهيار إرادة الأعداء ومعنوياتهم، وتزيد من جانب آخر ثبات المحبين والمؤمنين واستقامتهم، لأنّهم يعلمون أن إمامهم وقائدهم يقاوم حتى اللحظات الأخيرة.
وربّما كان التأكيد على مسألة الرجم من جهة أن كثيراً من رسل الله قبل موسى (ع) قد هددوا بالرجم، ومن جملتهم نوح (ع) (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) (4).
وكذلك الحال بالنسبة إلى إبراهيم (ع) لما هدده آزر وقال له: (لئن لم تنته لأرجمنك) (5)، وشعيب لما هدده الوثنيون قالوا له: (ولو لا رهطك لرجمناك) (6).
أمّا اختيار الرجم من بين أنواع القتل، فلأنّه أشدّها جميعاً.
وعلى قول بعض أرباب اللغة فإن هذه الكلمة جاءت بمعنى مطلق القتل أيضاً.(7)
واحتمل كثير من المفسّرين أن يكون الرجم بمعنى الإِتهام وإساءة الكلام، لأن هذه الكلمة قد استعملت في هذا المعنى أيضاً.
وكانت هذه الإستعاذة في الحقيقة مانعاً من تأثير التهم التي اتهموا بها موسى فيما بعد.
ويمكن أن تكون هذه الكلمة قد استعملت في معناها الواسع الذي يشمل كلا المعنيين.
﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾ بالحجارة أو الشتم.