لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تضيف الآية التي بعدها لتأكيد الكلام: (ما خلقناهما إلاّ بالحق). إن كون هذا الخلق حقاً يوجب أن يكون له هدف عقلائي، وذلك الهدف لا يتحقق إلاّ بوجود عالم آخر. إضافة إلى أنّ كونه حقاً يقضي بأنّ لا يتساوى المحسنون والمسيئون، ولما كنا نرى كل واحد من هاتين الفئتين قلّما يرى جزاء عمله في هذه الدنيا، فلا بد من وجود عالم آخر يجري فيه الحساب والثواب والعقاب، ليتلقى كل إنسان جزاء عمله، خيراً أم شراً. وخلاصة القول، فإنّ الحق في هذه الآية إشارة إلى الهدفية في الخلق، واختبار البشر وقانون التكامل، وكذلك تنفيذ أصول العدالة: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) لأنهم لا يعملون الفكر في التوصل إلى الحقائق، وإلاّ فإنّ أدلة المبدأ والمعاد واضحة بينة. بحث من هم قوم تبّع؟ لقد وردت كلمة (تبّع) في القرآن الكريم مرتين فقط: مرة في الآيات مورد البحث، وأخرى في الآية 14 من سورة (ق) حيث تقول: (وأصحاب الأيكة وقوم تبّع كل كذب الرسل فحق وعيد). وكما أشرنا من قبل، فإنّ "تبعاً" كان لقباً عاماً لملوك اليمن، ككسرى لسلاطين إيران، وخاقان لملوك الترك، وفرعون لملوك مصر، وقيصر لسلاطين الروم. وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنّهم كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم، أو لأنّ أحدهم كان يتبع الآخر في الحكم. لكن يبدو أنّ القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة - كما أنّ فرعون المعاصر لموسى (ع)، والذي يتحدث عنه القرآن كان معيناً ومحدداً - وورد في بعض الرّوايات أنّ اسمه "أسعد أبا كرب". ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان رجلاً مؤمناً، واعتبروا تعبير "قوم تبّع" الذي ورد في آيتين من القرآن دليلاً على ذلك، حيث أنّه لم يُذَمّ في هاتين الآيتين، بل ذُم قومه، والرّواية المروية عن النّبي (ص) شاهدة على ذلك، ففي هذه الرواية أنّه قال: "لاتسبّوا تبّعاً فإنّه كان قد أسلم" (2). وجاء في حديث عن الإمام الصادق (ع): "إن تبّعاً قال للأوس والخزرج: كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي، أمّا لو أدركته لخدمته وخرجت معه" (3). وورد في رواية أُخرى: إنّ تبعاً لما قدم المدينة - من أحد أسفاره - ونزل بفنائها، بعث إلى أحبار اليهود الذين كانوا يسكنونها فقال: إنّي مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية، ويرجع الأمر إلى دين العرب. فقال له شامول اليهودي - وهو يومئذ أعلمهم -. أيها الملك إنّ هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكّة اسمه أحمد. ثمّ ذكروا له بعض شمائل نبيّ الإسلام (ص) فقال تبّع - وكأنّه كان عالماً بالأمر ـ: ما إلى هذا البلد من سبيل، وما كان ليكون خرابها على يدي (4). بل ورد في رواية في ذيل تلك القصة أنّه قال لمن كان معه من الأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد، فإنّ خرج النّبي الموعود فآزروه وانصروه، وأوصوا بذلك أولادكم، حتى أنّه كتب رسالة أودعهم إياها ذكر فيها إيمانه بالرّسول الأعظم (ص) (5). ويروي صاحب أعلام القرآن أنّ تبّعاً كان أحد ملوك اليمن الذين فتحوا العالم، فقد سار بجيشه إلى الهند واستولى على بلدان تلك المنطقة. وقاد جيشاً إلى مكّة، وكان يريد هدم الكعبة، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه. وكان من بين حاشيته جمع من العلماء، كان رئيسهم حكيماً يدعى شامول، فقال له: إنّ مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة، وستشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت، فرجع تبع عما أراد ونذر أن يحترم الكعبة، فلما تحسن حاله كسا الكعبة ببرد يماني. وقد وردت قصّة كسوة الكعبة في تواريخ أُخرى حتى بلغت حد التواتر. وكان تحرك الجيش هذا، ومسألة كسوة الكعبة في القرن الخامس الميلادي، ويوجد اليوم في مكّة مكان يسمى "دار التبابعة" (6). وعلى أية حال، فإنّ القسم الأعظم من تأريخ ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو من الغموض من الناحية التاريخية، حيث لا نعلم كثيراً عن عددهم، ومدّة حكومتهم، وربّما نواجه في هذا الباب روايات متناقضة، وأكثر ما ورد في الكتب الإسلامية - سواء كتب التّفسير أو التأريخ أو الحديث - يتعلق بذلك الملك الذي أشار إليه القرآن في موضعين. ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ إلا محقين في ذلك إذ به يتم أمر المعاش والمعاد ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لتركهم النظر