ويضيف القرآن الكريم في آخر آية - من الآيات مورد البحث - مخاطباً إيّاهم: (إن هذا ما كنتم به تمترون) فكم ذكّرناكم بحقّانية هذا اليوم وحقيقته في مختلف آيات القرآن وبمختلف الأدلة؟!
ألم نقل لكم: (وكذلك الخروج)؟(7).
ألم نقل: (وكذلك النشور)؟(8).
ألم نقل: (وذلك على الله يسير)؟(9).
ألم نقل: (أفعيينا بالخلق الأول)؟(10).
وخلاصة القول: قد قلنا لكم الحقيقة وأوضحناها بطرق مختلفة، لكن لم تكن لكم آذان تسمعون بها.
بحث
العقوبات الجسمية والروحية:
نحن نعلم، وطبقاً لصريح القرآن، أنّ للمعاد جانباً جسمياً، وآخر روحياً، وعلى ذلك فمن الطبيعي أن تكون العقوبات والمثوبات متصفتين بهما كذلك، ولذلك أشير في آيات القرآن الكريم والرّوايات الإسلامية إلى كلا القسمين، غاية ما في الأمر أنّ إنتباه الناس وإحساسهم لمّا كان منصباً على الاُمور الجسمية غالباً، لذلك يلاحظ أنّ التفصيل في العقوبات والمثوبات المادية أكثر، لكن لا يعني هذا أن الإشارة إلى المثوبات والعقوبات المعنوية قليلة.
وقد رأينا في الآيات أعلاه نموذجاً لهذا المطلب، فمع ذكر عدّة أقسام من العقوبات الجسمية الأليمة، هناك إشارة وجيزة عميقة المحتوى إلى الجزاء الروحي الذي سينال المستكبرين.
وتلاحظ في آيات أُخرى من القرآن الإشارة إلى المثوبات الروحية أيضاً، فيقول الله تعالى في موضع: (ورضوان من الله أكبر) (11).
ويقول في موضع آخر: (سلام قولاً من ربّ رحيم) (12).
وأخيراً يقول في موضع ثالث: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) (13).
ولا يخفى أنّه لا يمكن وصف اللذائذ المعنوية غالباً وخاصّة في ذلك العالم الواسع، ولذلك فقد أشير إليها في القرآن إشارة غامضة عادة، أمّا العقوبات الروحية التي تكون بالتحقير والإهانة، التوبيخ والتقريع، والأسف والهم والحزن، فقد وصفتها الآيات وأوضحتها، وقد قرأنا نماذج منها في الآيات أعلاه.
﴿إِنَّ هَذَا﴾ العذاب ﴿مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ تشكون.