الإِنسان خليفة الله في الأرض:
الآيات السابقة ذكرت أن الله سبحانه خلق ما في الأرض جميعاً للإِنسان، وفي هذه الآيات تقرير صريح لخلافة الإِنسان وقيادته، وتوضيح لمكانته المعنوية التي استحق بها كل هذه المواهب.
في هذه الآيات عرض لخلقة آدم (أبوالبشر)، وفي الآيات 30 إلى 39 تركيز على ثلاث مسائل أساسية هي:
1 - إخبار الله ملائكته بشأن خلافة الإِنسان في الأرض، وما دار في المشهد من حوار.
2 - أمر الله تعالى ملائكته بإكرام وتعظيم الإِنسان الأول، وهذا ما نجده في مواضع عديدة من القرآن الكريم بمناسبات مختلفة.
3 - شرح وضع آدم وحياته في الجنّة، والحوادث التي أدت إلى خروجه من الفردوس، ثم توبة آدم، وحياته هو وذريته في الأرض.
الآيات المذكورة تتحدث عن المرحلة الاُولى، حين شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفته، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها وما فيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإِنسان.
مثل هذا الموجود بحاجة إلى قسط وافر من العقل والشعور والإِدراك والكفاءة الخاصة، كي يستطيع أن يتولى قيادة الموجودات الأرضية.
وبهذه المناسبة تقول الآية الاُولى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، والخليفة هو النائب عن الغير.
أما هذا الغير الذي ينوب الإِنسان عنه فاختلفت فيه أقوال المفسرين....
منهم من قال إنه خليفة الملائكة الذين كانوا يسكنون من قبل على ظهر الأرض.
ومنهم من قال إنه خليفة بشر آخرين أو موجودات اُخرى كانت تعيش قبل ذلك على الأرض.
وذهب بعضهم إلى أن الخليفة إشارة إلى أن كل جيل من البشر يخلف الجيل السابق.
والحق أن المقصود بالخليفة هو خليفة الله ونائبه على ظهر الأرض، كما ذهب إلى ذلك كثير من المحققين.
لأن سؤال الملائكة بشأن هذا الموجود الذي قد يفسد في الأرض ويسفك الدماء يتناسب مع هذا المعنى، لأن نيابة الله في الأرض لا تتناسب مع الفساد وسفك الدماء.
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ أي اذكر الحادث فحذف الحادث وأقيم الظرف مقامه أو ظرف لقالوا ﴿لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ الذين كانوا في الأرض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن لإفسادهم فيها ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ يكون حجة لي في أرضي على خلقي ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ كما فعلته الجن والنسناس ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ ننزهك عما لا يليق بك متلبسين ﴿بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ نطهر أرضك ممن يعصيك فاجعل ذلك الخليفة منا ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من الصلاح الكائن فيه ومن الكفر الباطن فيمن هو فيكم وهو إبليس.