وتقول الآية الأخيرة، إجمالاً للبحوث الماضية، وتبياناً لعظمة آيات القرآن وأهميتها: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق).
هل أنّ كلمة "تلك" إشارة إلى آيات القرآن، أم إلى آيات الله والعلامات الدالة عليه في الآفاق والأنفس، والتي مرّت الإشارة إليها في الآيات السابقة؟
كلٌّ محتمل، إلاّ أنّ الظاهر هو أنّ المراد الآيات القرآنية بقرينة التعبير بالتلاوة، غاية مافي الأمر أنّ هذه الآيات القرآنية آيات الله سبحانه في كلّ عالم الوجود، وعلى هذا فيمكن الجمع بين التّفسيرين (فتأمل!).
وعلى أية حال، فإنّ (التلاوة) من مادة (تلو) أي الإتيان بالكلام بعد الكلام متعاقباً، وبناء على هذا فإنّ تلاوة آيات القرآن تعني قراءتها بصورة متوالية متعاقبة.
والتعبير بالحق إشارة إلى محتوى هذه الآيات، وهو أيضاً إشارة إلى كون نبوّة النّبي (ص) والوحي الإلهي حقّاً.
وبعبارة أُخرى، فإنّ هذه الآيات بليغة معبرة تضمنت في طياتها الإستدلال على حقانيتها وحقانية من جاءها.
وحقّاً إذا لم يؤمن هؤلاء بهذه الآيات فبأي شيء سوف يؤمنون؟ ولذلك تعقب الآية: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) (5).
وعلى قول "الطبرسي" في مجمع البيان، فإنّ الحديث إشارة إلى قصص الأقوام الماضين، وأحداثهم التي تبعث على الإعتبار بهم، في حين أنّ الآيات تقال للدلائل التي تميز الحق من الباطل والصحيح من السقيم، وآيات القرآن المجيد تتحدث عن الإثنين معاً.
حقاً إنّ للقرآن الكريم محتوى عميقاً من ناحية الإستدلال والبراهين على التوحيد، وكذلك فهو يحتوي على مواعظ وإرشادات تجذب العباد إلى الله سبحانه حتى القلوب التي لها أدنى استعداد - أو أرضية صالحة ـ، وتدعو كلّ مرتبط بالحق إلى الطهارة والتقوى، فإذا لم تؤثر هذه الآيات البينات في أحد فلا أمل في هدايته بعد ذلك.
﴿تِلْكَ﴾ الآيات المذكورة ﴿آيَاتُ اللَّهِ﴾ دلائله ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ متلبسين أو متلبسة ﴿بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ﴾ أي بعد آيات الله وقدم اسم الله مبالغة كأعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث الله أي القرآن وآياته وحججه ﴿يُؤْمِنُونَ﴾.