وتبيّن الآية التالية الجلسة الختامية للمحكمة وإصدار قرار الحكم، حيث تنال كلّ فئة جزاء أعمالها، فتقول: (فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربّهم في رحمته).
إن ذكر "فاء التفريع" هنا دليل على أنّ نتيجة حفظ الأعمال والمحاسبة وتلك المحكمة الإلهية العادلة، هي دخول المؤمنين في رحمة الله سبحانه.
وطبقاً لهذه الآية، فإنّ الإيمان - وحده - غير كاف لأنّ يجعل المؤمنين يتنعمون بهذه الموهبة العظيمة والعطية الجزيلة، بل إنّ العمل الصالح شرط لذلك أيضاً.
والتعبير بـ "ربّهم" يحكي عن لطف الله الخاص، يكتمل بتعبير "الرحمة" بدل "الجنّة".
وتبلغ بهم نهاية الآية أوج الكمال حينما تقول: (ذلك هو الفوز المبين).
إنّ لـ "رحمة الله" معنى واسعاً يشمل الدنيا والآخرة، وقد أطلقت في آيات القرآن الكريم على معان كثيرة، فتارة تطلق على مسألة الهداية، وأُخرى على الإنقاذ من قبضة الأعداء، وثالثة على المطر الغزير المبارك، ورابعة على نعم أُخرى كنعمة النور والظلمة، وأطلقت في موارد كثيرة على الجنّة ومواهب الله سبحانه في القيامة.
جملة (ذلك الفوز المبين) تكررت مرّة أُخرى في الآية (16) من سورة الأنعام، غاية ما هناك أنّ الفوز المبين قيل هناك لأُولئك الذين ينجون من عذاب الله عزَّ وجلّ: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين) أمّا هنا فقد قيلت فيمن دخل الجنّة وفي رحمة الله، وكلاهما في الواقع فوز عظيم: النجاة من العذاب، والدخول في مستقر رحمة الله سبحانه.
وهنا قد يرد هذا السؤال، وهو: هل أنّ المؤمنين الذين ليس لهم عمل صالح لا يدخلون الجنّة؟
والجواب: إنّهم يدخلونها لكن بعد أن يروا جزاءهم في جهنم حتى يطهروا، فإنّ الذين يردون مستقر رحمة الله هذا بعد الحساب مباشرة هم أصحاب العمل الصالح مضافاً إلى إيمانهم، وحسب.
كلمة "الفوز" - كما يقول الراغب في مفرداته - تعني الظفر المقترن بالسلامة، وقد استعملت في 19 مورداً من آيات القرآن المجيد، فوصف الفوز مرّة بالمبين، وأُخرى بالكبير، أمّا في غالب الآيات فقد وصف بالعظيم.
وهو مستعمل عادة في شأن الجنّة، إلاّ أنّه استعمل في بعض الموارد في شأن التوفيق لطاعة الله ومغفرة الذنوب وأمثال ذلك.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ جنته ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ الفلاح البين.