بعد ذلك تبيّن الآية التالية عمق ضلالة هؤلاء المشركين وانحرافهم، فتقول: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) ولا يقف الأمر عند عدم إجابتهم وحسب، بل إنّهم لا يسمعون كلامهم: (وهم عن دعائهم غافلون).
ويرى بعض المفسّرين أنّ مرجع الضمير في هذه الآية إلى الأصنام الجامدة الميتة، باعتبار أنّ أكثر آلهة مشركي العرب كانت الأصنام.
واعتبره البعض إشارة إلى الملائكة والبشر الذين عبدوا من دون الله، لأنّ عبدة الملائكة والجن لم يكونوا قلّة بين العرب، والتعبيرات المختلفة لهذه الآية، والمتناسبة مع ذوي العقول تؤيد هذا المعنى.
لكن لا مانع من أن نفسر الآية بمعناها الواسع، فتدخل فيه كلّ هذه المعبودات، سواء الحية والميتة، العاقلة وغير العاقلة، فتكون التعابير متناسبة مع ذوي العقول من باب التغليب.
وعندما تقول الآية: إنّهم لا يجيبونهم إلى يوم القيامة، فإنّ ذلك لا يعني أنّهم سيجيبونهم يوم القيامة - ما ظن البعض ذلك - بل إنّ هذا التعبير متداول في النفي المؤيد، كما نقول مثلاً: لو أصررت على فلان إلى يوم القيامة لما أقرضك، أي أنّه سوف لا يقوم بها العمل أبداً، لا أنّه سيلبي طلبك في يوم القيامة.
وسبب ذلك معلوم أيضاً، لأنّ كلّ سعي وجهد وتلبية طلب وقضاء حاجة نافع في هذه الحياة الدنيا، فإذا انتهت انتهى معها إمكان القيام بكلّ هذه الأعمال.
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو﴾ يعبد ﴿مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ﴾ أي الأصنام ﴿وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ﴾ عن عبادتهم ﴿غَافِلُونَ﴾ لا علم لهم بها لأنها جمادات.