والآية التالية تفسير للمحسنين الذين ورد ذكرهم في الآية التي قبلها، فتقول: (إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (7).
لقد جمعت في الواقع كلّ مراتب الإيمان، وكلّ الأعمال الصالحة في هاتين الجملتين، لأنّ التوحيد أساس كلّ المعتقدات الصحيحة، وكلّ أصول العقائد ترجع إلى أصل التوحيد.
كما أنّ الإستقامة والصبر والتحمل والصمود أساس كلّ الأعمال الصالحة، لأنّا نعلم أنّه يمكن تلخيص كلّ أعمال الخير في ثلاثة: "الصبر على الطاعة"، و"الصبر عن المعصية"، و"الصبر على المصيبة".
وبناءً على هذا، فإنّ "المحسنين" هم السائرون على خط التوحيد من الناحية العقائدية، وفي خط الإستقامة والصبر من الناحية العملية.
ومن البديهي أنّ أمثال هؤلاء الأفراد لا يخافون من حوادث المستقبل، ولا يغتمون لما مضى.
وقد ورد نظير هذا المعنى - بتوضيح أكثر - في الآية (30) من سورة فصلت حيث تقول: (إنّ الذين قالوا ربّنا ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون).
إنّ هذه الآية تضيف شيئين:
الأوّل: أنّهم بشروا بعدم الخوف والحزن من قبل الملائكة، في حين سكتت الآية مورد البحث عن هذا.
والثّاني: أنّه إضافة إلى نفي الخوف والحزن عنهم، فقد وردت البشارة بالجنّة أيضاً في آية سورة فصلت، في حين أنّ هذه البشارة وردت في الآية اللاحقة في محل كلامنا.
وعلى أية حال، فإنّ الآيتين تبحثان مطلباً واحداً، غايته أن أحداهما أكثر تفصيلاً من الأُخرى.
ونقرأ في تفسير علي بن إبراهيم في تفسير جملة: (إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا) قال: استقاموا على ولاية علي أمير المؤمنين (ع).
وذلك أنّ إدامة خط أمير المؤمنين (ع) في جوانب العلم والعمل، والعدالة والتقوى، وخاصّة في العصور المظلمة الحالكة، أمر لا يمكن تحققه بدون الإستقامة، وبناءً على هذا فإنّه يعد أحد مصاديق الواضحة للآية مورد البحث، لا أنّ معناها منحصر به، بحيث لا تشمل الإستقامة في الجهاد وطاعة الله سبحانه، ومحاربة هوى النفس والشيطان.
وقد أوردنا شرحاً مفصلاً حول مسألة الإستقامة في ذيل الآية (30) من سورة فصلت (8).
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على طاعته وسئل الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة فقال هي والله ما أنتم عليه ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.