التّفسير
مضيّعو حقوق الوالدين:
كان الكلام في الآيات السابقة عن المؤمنين الذين سلكوا طريق القرب من الله، فبلغوا الغاية ووسعتهم رحمة الله، وكرمهم لطفه، وكلّ ذلك في ظل الإيمان والعمل الصالح، وشكر نعم الله سبحانه، والإلتفات إلى حقوق الأبوين والذرية وأدائها.
أمّا هذه الآيات، فيدور الكلام فيها عمّن يقفون في الطرف المقابل، وهم الكافرون المنكرون للجميل والحق، والعاقون لوالديهم، فتقول: (والذي قال لوالديه أُف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي) (1).
إلاّ أنّ أبويه المؤمنين لم يستسلما أمام هذا الولد العاق الضال، فتقول الآية: (وهما يستغيثان الله ويلك آمن إنّ وعد الله حق) غير أنّه يأبى إلاّ أن يسير في طريق الضلالة والعناد الذي اختطه لنفسه، ولذلك نراه يجيبهما بكلّ تكبر وغرور ولا مبالاة: (فيقول ما هذا إلاّ أساطير الأولين)، فما تقولانه عن المعاد والحساب ليس إلاّ خرافات وقصص كاذبة أتتكم من الماضين من قبلكم، ولست بالذي يعتقد بها وينقاد لها.
إنّ الصفات التي يمكن أن تستخرج من هذه الآية حول هذه الفئة من الأبناء الضالين عدّة صفات: عدم احترام منزلة الأبوين، والإساءة لهما، لأنّ (أف) في الأصل تعني كلّ شيء قذر، وهي تقال في مقام التحقير والإهانة (2).
وقال البعض: إنّها تعني الأقذار التي تجتمع تحت الأظافر، وهي قذرة ملوثة، ولا قيمة لها (3).
والصفة الأُخرى هي أنّهم مضافاً إلى عدم إيمانهم بيوم القيامة والبعث والجزاء، فإنّهم يسخرون منه ويستهزئون به، ويعدونه من الأساطير والأوهام الخرافية الباطلة.
والصفة الأُخرى أنّهم لا أذن سامعة لهم، ولا يذعنون للحق، وقد امتلأت نفوسهم بروح الغرور والكبر والأنانية.
نعم، فبالرغم من أن الأبوين الحريصين يبذلان قصارى جهودهما، وكلّ ما في وسعهما لإنقاذه من دوامة الجهل والغفلة، لئلا يبتلى هذا الابن العزيز بعذاب الله الأليم، إلاّ أنّه يأبى إلاّ الإستمرار في طريق غيه وكفره، ويصر على ذلك، وأخيراً يتركه أبواه وشأنه بعد اليأس منه.
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ مِن قَبْلِي﴾ مبتدأ خبره أولئك ﴿أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ﴾ فلم يعادوا ﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ﴾ يسألانه الغوث بتوفيقه للإيمان ﴿وَيْلَكَ آمِنْ﴾ بالبعث ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ به ﴿حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أباطيلهم التي سطروها.