التّفسير
قوم عاد والريح المدمرة:
لما كان القرآن يذكر قضايا كلية، ثمّ يتطرق إلى بيان مصاديق واضحة لها، ليطبق تلك الكليات.
فإنّه هنا يسلك نفس السبيل، فبعد أن فصل حال المستكبرين المتمردين، تطرّق إلى ذكر قصة قوم عاد الذين هم صورة واضحة لأولئك العتاة، فتقول الآية: (واذكر أخا عاد).
إنّ التعبير بالأخ يعكس منتهى صفاء هذا النّبي العظيم وحرصه على قومه، وقد ورد هذا التعبير في القرآن المجيد - كما نعلم - في مورد عدة أنبياء عظام كانوا إخوة لأقوامهم حريصين رحماء بهم، لم يبخلوا من أجلهم بأي نوع من الإيثار والتضحية.
ويمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى علاقة القرابة والرحم بين هؤلاء الأنبياء وأقوامهم.
ثمّ تضيف الآية: (إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه).
"الأحقاف" - كما قلنا سابقاً - تعني الكثبان الرملية التي تتشكل على هيئة مستطيل أو تعرجات ومنحنيات، على أثر هبوب العواصف في الصحاري، ويتّضح من هذا التعبير أنّ أرض قوم عاد كانت أرضاً حصباء كبيرة.
وذهب البعض أنّها في قلب جزيرة العرب بين نجد والأحساء وحضرموت وعمان.
إلاّ أنّ هذا المعنى يبدو بعيداً، حيث يظهر من آيات القرآن الأُخرى - في سورة الشعراء - أنّ قوم عاد كانوا يعيشون في مكان كثير المياه والأشجار الجميلة، ومثل هذا الحال بعيد جدّاً عن قلب الجزيرة.
وذهب جمع آخر من المفسّرين أنّها في الجزء الجنوبي للجزيرة حول اليمن، أو في سواحل بحر العرب (1).
واحتمل البعض أنّ الأحقاف كانت منطقة في أرض العراق في مناطق كلدة وبابل (2).
ونقل عن الطبري أنّ الأحقاف اسم جبل في الشام (3).
لكن يبدو أنّ القول بأنّ هذه المنطقة تقع جنوب الجزيرة العربية قرب أرض اليمن، هو الأقرب، بملاحظة ملاءمته المعنى اللغوي للأحقاف، وبملاحظة أنّ أرضهم كانت غزيرة المياه وفيرة الأشجار، في نفس الوقت الذي لم تكن فيه بمأمن من العواصف الرملية.
وجملة: (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) إشارة إلى الأنبياء الذين بعثوا قبله، بعضهم قريب عهد به، وهم الذين عبّر عنهم القرآن بـ (من بين يديه) والبعض الآخر تقادمت الفترة الزمنية بينهم وبينه الذين عبّر عنهم بـ (من خلفه).
أمّا ما احتمله البعض من أنّ المراد من هذه الجملة الأنبياء الذين جاؤوا قبل هود وبعده، فيبدو بعيداً جدّاً، ولا ينسجم مع جملة: (وقد خلت) التي تعني الزمن الماضي.
ولنرَ الآن ماذا كان محتوى دعوة هذا النّبي العظيم؟
يقول القرآن الكريم: (ألاّ تعبدوا إلاّ الله) ثمّ هدّدهم بقوله: (إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم).
وبالرغم من أنّ التعبير بـ (يوم عظيم) جاء بمعنى يوم القيامة غالباً، إلاّ أنّه أطلق أحياناً في آيات القرآن على الأيّام القاسية المرعبة التي مرّت على الأمم، وهذا المعنى هو المراد هنا، لأنّنا نقرأ في متابعة هذه الآيات أنّ قوم عاد قد ابتلوا بعذاب الله في يوم عسر مرعب وانتهى أمرهم.
إلاّ أنّ هؤلاء القوم المتمردين وقفوا بوجه هذه الدعوة الإلهية، وخاطبوا هوداً:
﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾ أي هودا ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع دون الجبل واد يسكنونه بين عمان ومهرة أو الشحر من اليمن ﴿وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ مضت الرسل قبل هود وبعده ﴿أَلَّا﴾ بأن لا أو أي لا ﴿تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إن عبدتم غيره.