إلاّ أنّ هوداً (ع) قال في ردّه على هذا الطلب المتهور الذي يدل على الجنون: (قال إنّما العلم عند الله) فهو الذي يعلم متى وفي أي ظروف ينزل عذاب الإستئصال، فلا هو مرتبط بطلبكم وتمنيكم، ولا هو تابع لرغبتي، بل يجب أن يتمّ الهدف ويتحقق، ألا وهو إتمام الحجّة عليكم، فإن حكمته سبحانه تقتضي ذلك.
ثمّ يضيف: (وأبلغكم ما أرسلت به) فهو مهمتي الأساسية، ومسؤوليتي الرئيسية، أمّا اتخاذ القرار في شأن طاعة الله وأوامره فهو أمر يتعلق بكم، وإرادة نزول العذاب ومشيئته تتعلق به سبحانه.
(ولكني أراكم قوماً تجهلون) وجهلكم هذا هو أساس تعاستكم وشقائكم، فإنّ الجهل المقترن بالكبر والغرور هو الذي يمنعكم من دراسة دعوة رسل الله، ولا يأذن لكم في التحقيق فيها... ذلك الجهل الذي يحملكم على الإصرار على نزول عذاب الله ليهلككم، ولو كان لديكم أدنى وعي أو تعقل لكنتم تحتملون - على الأقل - وجود احتمال إيجابي في مقابل كلّ الإحتمالات السلبية، والذي إذا ما تحقق فسوف لا يبقى لكم أثر.
وأخيراً لم تؤثر نصائح هود (ع) المفيدة، وإرشاداته الأخوية في قساة القلوب أُولئك، وبدل أن يقبلوا الحق لجّوا في غيّهم وباطلهم، وتعصبوا له، وحتى نوح (ع) كذّبه قومه بهذا الإدعاء الواهي وهو أنّك إن كنت صادقاً فيما تقول فأين عذابك الموعود؟
والآن، وقد تمّت الحجة بالقدر الكافي، وأظهر أُولئك عدم أهليتهم للبقاء، وعدم استحقاقهم للحياة، فإنّ حكمة الله سبحانه توجب أن يرسل عليهم "عذاب الإستئصال"، ذلك العذاب الذي يجتث كلّ شيء ولا يبقي ولا يذر.
﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ﴾ هو يعلم وقت عذابكم لا أنا ﴿وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ ما علي إلا البلاغ ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ باستعجالكم العذاب.