لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول وردت روايات مختلفة في سبب نزول هذه الآيات، ومن جملتها: أنّ رسول الله (ص) خرج من مكّة إلى سوق عكاظ في الطائف - وكان معه زيد بن حارثة - من أجل أن يدعو الناس إلى الإسلام، إلاّ أنّ أحداً لم يجبه، فاضطر إلى الرجوع إلى مكّة، وفي طريق عودته وصل إلى موضع يقال له: وادي الجن، فبدأ بتلاوة القرآن في جوف الليل، وكانت طائفة من الجن يمرون من هناك، فلما سمعوا قراءة النّبي (ص) للقرآن أصغوا إليه وقال بعضهم لبعض: اسكتوا وأنصتوا، فلما أتمّ رسول الله (ص) تلاوته آمنوا به، وأتوا قومهم كرسل يدعونهم إلى الإسلام، فآمن لهم جماعة، وأتوا جميعاً إلى النّبي (ص) فعلّمهم رسول الله (ص) الإسلام، فنزلت هذه الآيات وآيات سورة الجن (1). ونقل جماعة عن ابن عباس سبب نزول آخر يقرب من سبب النّزول السابق، باختلاف: إنّ النّبي (ص) كان مشتغلاً بصلاة الصبح وكان يقرأ القرآن فيها، وكان جماعة من الجن في حالة بحث وتحقيق، إذ كان انقطاع أخبار السماء عنهم قد أقلقهم، فسمعوا صوت تلاوة النّبي (ص) فقالوا: هذا سبب انقطاع أخبار السماء عنّا، فرجعوا إلى قومهم ودعوهم إلى الإسلام (2). وقد أورد العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان سبباً ثالثاً للنزول هنا، وهو يرتبط بقصة سفر النّبي (ص) إلى الطائف وخلاصته: بعد وفاة أبي طالب صعب الأمر على النّبي (ص) فرحل إلى الطائف لعله يجد أنصاراً، فبرز إليه أشراف الطائف وكذّبوه أشدّ تكذيب، ورموا النّبي بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه، فأعياه التعب، فأتى إلى جنب بستان واستظل بظل نخلة، وكانت الدماء تسيل منه. وكان البستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وكانا من أثرياء قريش، فتأذى النبي (ص) من رؤيتهما لعلمه بعدائهما للإسلام من قبل، فأرسلا غلامهما "عداساً" - وكان رجلاً نصرانياً - إلى النّبي (ص) بطبق من العنب، فقال النّبي (ص) لعداس: "من أي أرض أنت"؟ قال: من نينوى، قال: "من مدينة العبد الصالح يونس بن متى"، فقال: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: "أنا رسول الله، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى" فعرف عداس صدق النّبي (ص) فخرّ ساجداً لله تعالى، ووقع على قدمي النّبي (ص) يقبلهما. فلما رجع لامه عتبة وشيبة على ما صنع، فقال: لقد أخبرني هذا الرجل الصالح بما يجهله أهل هذه البلاد من أمر نبيّنا يونس، فضحكا وقالا: لا يفتننك عن نصرانيتك، فإنّه رجل خداع! فرجع النّبي (ص) إلى مكّة، ولم يكن حاصل سفره هذا إلاّ مؤمن واحد، فوصل نخلاً في جوف الليل، فما إن حلّ حتى تهيّأ للصلاة، وكان جماعة من الجن من أهل نصيبين أو اليمن يمرون من هناك، فسمعوا صوت تلاوة القرآن في صلاة الصبح فأصغوا إليه وآمنوا (3). التّفسير إيمان طائفة من الجن: جاء في هذه الآيات - وكما أُشير في سبب النّزول - بحث مختصر حول إيمان طائفة من الجن بنبيّ الإسلام (ص) وكتابه السماوي، لتوضح لمشركي مكّة حقيقة، هي: كيف تؤمن طائفة من الجن البعيدين - ظاهراً - بهذا النبي الذي هو من الإنس، وبعث من بين أظهركم، وأنتم تصرون على الكفر، وتستمرون في عنادكم ومخالفتكم؟ وسيكون لنا بحث مفصل حول (الجن) وخصوصياته في تفسير سورة الجن إن شاء الله تعالى، ونتناول هنا تفسير الآيات مورد البحث فقط. لقد كانت قصة قوم عاد تحذيراً لمشركي مكّة في الحقيقة، وقصة إيمان طائفة من الجن تحذيراً آخر. تقول الآية أوّلاً: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن). إنّ التعبير بـ (صرفنا) - من مادة صرف، يعني نقل الشيء وتبديله من حالة إلى اُخرى - ولعله إشارة إلى أنّ الجن كانوا يصغون إلى أخبار السماء عن طريق استراق السمع، ومع ظهور نبيّ الإسلام (ص) رجعوا إليه واتّجهوا نحو القرآن. و"النفر" كما يقول الراغب في مفرداته - عدّة رجال يمكنهم النفر، والمشهور بين أرباب اللغة أنّه الجماعة من الثلاثة إلى العشرة، وأوصلها البعض إلى الأربعين. ثمّ تضيف الآية: (فلمّا حضروه قالوا أنصتوا) وذلك حينما كان النّبي (ص) يتلو آيات القرآن في جوف الليل، أو في صلاة الصبح. "انصتوا" من مادة إنصات، وهو السكوت مع الإستماع والإنتباه. وأخيراً أضاء نور الإيمان قلوب هؤلاء، فلمسوا في أعماقهم كون آيات القرآن حقاً، ولذلك: (فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين) وهذا دأب المؤمنين دائماً، في أن يطلعوا الآخرين على الحقائق التي اطلعوا عليها، ويدلوهم على مصادر إيمانهم ومنابعه الفياضة. ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا﴾ أملنا ﴿إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ﴾ جن نصيبين أو نينوى، والنفر دون العشرة ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾ أي القرآن أو النبي وهو ببطن نخلة يصلي الفجر ﴿قَالُوا﴾ قال بعضهم لبعض ﴿أَنصِتُوا﴾ لاستماعه ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ فرغ من قراءته ﴿وَلَّوْا﴾ انصرفوا ﴿إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ إياهم بما سمعوا.